كل قوانين لعبة كرة القدم يتم تنفيذها من طاقم الحكام المكلف بإدارة المباراة، لا توجد مادة في القانون يمكن لها أن تعلن عن نفسها، بل هي رهن تنزيلها على الواقعة بتفسير الحكم، فمثلا الأخطاء العشرة التي تنص عليها مواد القانون وتوجب احتساب ركلة جزاء لا بد أن يقررها الحكم فقط من خلال تقديره للحالة.
يسقط اللاعب داخل الصندوق فتصبح الجماهير مستبشرة بركلة جزاء لأن العرقلة إحدى المواد العشرة المستوجبة لاحتسابها، لكن الحكم بكل بساطة لا يحتسبها، لأنه لا يرى أنها عرقلة، أو أنه لم يلحظ المشهد بالكامل، ويلمس اللاعب الكرة بيده داخل منطقة الجزاء الخاصة بفريقه، فيأمر الحكم باستمرار اللعب، لأنه إما لم يشاهدها، وإما أنه لا يرى أنه تعمد لمسها، وهكذا قِس على القانون ومواده الأخرى التي لا قيمة لها إلا بما يستقر منها في وجدان الحكم، طبقا لقناعته واطمئنانه حيالها، وهو ما يفعله القاضي عند إصداره الحكم في كل شأن.
لكن هل يعني هذا أن الحكم دائمًا على حق؟ بالطبع «لا»، وهل ذلك يعني أن لا تقابل قراراته التي يرى المعنيون بها أنها خاطئة بالاحتجاج والغضب؟ أيضًا «لا»، لكن ما حدود الأخطاء التي يمكن السكوت عنها، أو ما يفترض أنها أخطاء؟ وما ضوابط الاحتجاج وحدود ما يعد غضبا؟ فقط هنا يجب أن يكون الحوار والنقاش.
في لجنة الحكام بالاتحاد السعودي لكرة القدم، عمل وحراك برغبة تطوير أداء الحكام، وحرص على تجاوز أن يتسببوا في الضرر للأندية، وفي الأندية قابلية للتجاوب مع الأداء التحكيمي الذي لا يتسبب في التأثير على نتائج المباريات، لكنّ الطرفين يعملان وسط توجس وريبة بسبب فداحة بعض الأخطاء من طرف الحكام، ونزعة الأندية لاستهداف الحكام بتصيد سقطاتهم، ليتحول ذلك إلى كومة قش من السهل اشتعالها إعلاميا وجماهيريا، فمن المتسبب الأول؟ وهو السؤال الصعب الذي يشبه: الدجاجة أم البيضة أولا؟!
رئيس دائرة الحكام السعوديين الإنجليزي هارود ويب، هو من يختار أطقم حكام مباريات دوري المحترفين منذ أكثر من سبع جولات، لكن رئيس اللجنة عمر المهنا لا يريد أن يقر بذلك بشكل قاطع، حيث دائمًا ما يميع إجابته حول سؤال من يعين حكام المباريات، ولا يمكن تفسيره مثلا بأنه ربما قد يشعر جراءه بالتهميش، إذ ليس هناك مكاسب معنوية أو رصيد إيجابي يمكن أن يعود عليه فيما لو كان هو من يقوم بهذا الدور، ما دام التحكيم على هذا النحو غير المرضي، وكان يمكن القول إن هذا شأنه لولا أن هذه الضبابية تساهم أيضًا في ضياع مفاتيح الحل أكثر وأكثر.
لو اعتبرنا الحكم هو الطبيب المعالج، والنادي هو المريض، فلا بد للمريض أن يترك الطبيب ليمارس عمله حتى وهو يتفحص مواضع ما يؤلمه بالضغط عليها، لكن لا بد للطبيب أن لا يمنع المريض من الصراخ من شدة الألم. معادلة الحكم والنادي ليست متساوية، إذ إن النادي يمكنه أن لا يستعد للمباراة ولا يؤدي ما يشفع له بالفوز، لكن ليس من حق الحكم أن لا يقوم بدوره كاملا، وإذا كان هناك من يريد تصحيح وضع التحكيم وتطويره فعليه إبعاد من يتصور أنه خصم للأندية ويخترع كل الحيل لإثبات أنهم على خطأ.. الانتصارات الإعلامية لا تعني أنك في الحقيقية المنتصر. مدرسة الصحاف وأحمد سعيد يجب ألا يفكر أحد في فتح أبوابها من جديد بعد أن أغلقت، وطارت مفاتيحها في فضاء مفتوح بلا حدود!
8:15 دقيقه
TT
الأندية أم الحكام؟.. الدجاجة أم البيضة؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة