تنهد الرسام المشهور وهو يتأمل لوحته الزيتية التي قضى وقتاً وهو يرسم تفاصيلها، وتذكّر ذلك العميل الذي طلب منه رسم لوحة تمثل ملامح عام 2025 على طراز لوحات عصر النهضة الإيطالي، موضحاً له بعض الشخصيات المؤثرة في العام المقبل، وقبل أن يوقع على عمله الفني، ألقى الفنان نظرة أخيرة على عمله، وقد بذل جهده أن يعبّر من خياله عن العام المقبل بمختلف فصوله، لم تبد اللوحة داكنة بكل أنحائها، بل كانت مشرقة في جوانب ومظلمة في أخرى.
في قلب اللوحة، يظهر الرئيس المرشح (ترمب)، وقد جلس على المكتب البيضاوي، يلوك شطيرة من مطعمه المفضل «ماكدونالدز»، وقد بدا مزيج من الشراسة والتصميم في عينيه، لقد أدرك الرئيس قسوة العالم المحيط به حينما أُقصي من البيت الأبيض قبل أقل من أربع سنوات، فحاول أعداؤه الزج به إلى السجن، وسخر منه خصومه علناً وخفية، ونكّلوا به إعلامياً أشدما تنكيل حين أعاد ترشيح نفسه للرئاسة، ولو أمعنت النظر قليلاً، للاحظت أن (ترمب) قد رفع يده إلى أذنه، متحسساً جرح أذنه الذي لم يندمل بعد، سيذكّره هذا الجرح بما قد يحدث له لو تمكّن منه أعداؤه، وسيعطيه من الجرأة ما لم يملكه من قبل، على مكتب الرئيس، فُردت خريطة العالم، وعليها إشارات تظهر عشرات الأهداف المقبلة، وبالطبع كان أكبر علامة حمراء على الصين مشيرة إلى ترسانة من القرارات الصدامية مع العملاق الآسيوي، ولم تكد دول الخريطة تخلو من علامات وخطط ينوي الرئيس المرتقب تنفيذها.
في النافذة خلف الرئيس، ظهر الملياردير (إيلون ماسك)، وقد أمسك فأساً صدِئة، متطلعاً إلى شجرة عجوز وعملاقة ذاتِ أفرع، وقد نُحت على جذعها بحروف مهترئة (الحكومة الفيدرالية)، وقد وقف بجانبه (فيفيك راماسوامي) هارشاً رأسه محتاراً من أين يبدأ التقليم، وفي حديقة البيت الأبيض، ظهر (جيروم باول) رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وهو يحكم ربطة عنقه، متأهباً للدخول على مجموعة من المستثمرين المستبشرين بخفض أسعار الفائدة.
وفي جانب اللوحة، ظهر دب روسي يحمل وجه (فلاديمير بوتين)، وقد تدلّت قدماه داخل بئرٍ نفطية، متأملاً بعينيه الباردتين وابتسامته الصفراء، الرئيسين الصيني والهندي، وهما يمسكان بطرفي مضخة، وكل منهما يلتفت إلى خزّان بلاده، بينما وقف الرئيس الأوكراني وعلى وجهه آثار مخالب الدب، بعينين دامعتين، ونظرة رجاءٍ للرئيس الأميركي، الذي لم يبدُ عابئاً بهذه النظرات، واستذكر الرسام حينها مقولة الراحل (أحمد خالد توفيق) حين وصف روسيا قائلا: «المشكلة مع الدب الروسي هي أنه مثل المحاصر في حافلة مزدحمة، لا يستطيع تحريك كوعه دون أن يصدم (بولندا) أو يضرب (المجر) أو يدمي (رومانيا)»، ولا ريب أن (زيلينسكي) حينها كان يلعن الساعة التي دخل فيها إلى هذه الحافلة المزدحمة.
في الجانب الآخر، تربّع المستشار الألماني مهموماً على الأرض أمام صنبور جاف، منتظراً تدفق الغاز، وقد تركزت عليه العيون الألمانية الغاضبة، واكتظ الحائط خلفه برسوم بيانية حمراء تظهر صورة قاتمة عن المستقبل الاقتصادي الألماني، بينما جلس أمامه المدير التنفيذي لـ«وكالة الطاقة الدولية»، وقد برقت عيناه بجنون، وهو يشير بحماسة وقد تطاير اللعاب من فِيهِ إلى لوح مكسور للطاقة الشمسية، بينما ظهر (ماكرون) وقد أولاهما ظهره، وهو يفرك يديه جذلاً متأملاً محطّات فرنسا الجديدة للطاقة النووية.
وفي أعلى اللوحة، وقف شابٌ وقد عقد يديه خلف ظهره، متأملاً الرافعات العملاقة لمشروعات بنى تحتية، وقد أحاطت به الأفاعي من كل جانب، والغريب أن وقفة هذا الرجل لم تظهر اهتماماً بها، وكأن كامل تركيزه كان منصبّاً إلى هذه المشروعات، تأمل الرسام هذا الرجل الذي لم يرسم ملامح وجهه بعد، وفكّر عن الملامح التي يمكن أن يحملها، ولكنه في النهاية وقّع على اللوحة دون أن يرسمها، مدركاً أن الكثير من القادة يودون أن يحملوا هذه الملامح، ومفضّلاً أن يرسم الناظرون إلى هذه اللوحة وجه هذا الرجل.