كانت ليلة الأربعاء تاريخية بالنسبة للجماهير السعودية وهي ترى «أخضرها» يعبر الملحق الآسيوي إلى نهائيات كأس العالم، في رسالة شديدة أكد فيها أنه عنصر أساسي في منظومة المونديال، ويكفيه أنه أحد أكثر ثلاث منتخبات عربية تأهلاً للحدث العالمي بواقع سبع مرات مع المغرب وتونس.
ما فعله المنتخب السعودي برأيي الشخصي امتداد لمسار طويل من الالتزام والانضباط وسط ظروف معقدة وضغوط متواصلة من كل الاتجاهات.
في تقديري أن هذا التأهل يحمل قيمة أكبر من مجرد الحضور في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، حيث المونديال المقبل، لأنه يعكس قدرة هذا المنتخب على تجاوز أعوامٍ من التشكيك والهجوم ومحاولات زعزعة الثقة بين مرجعه و أجهزته ولاعبيه وجمهوره.
على مدى ثلاث سنوات، عاش «الأخضر» تحت عاصفةٍ من النقد غير المنطقي، من تغييراتٍ في الأجهزة الفنية إلى نقاشاتٍ لا تنتهي حول اختيارات المدرب وجاهزية اللاعبين المحليين الذين قلّت فرص مشاركتهم بسبب نظام الدوري المحلي. ومع ذلك ظل الفريق محافظاً على هدوئه، واعياً بما يريده، ومدركاً أن التأهل يحتاج إلى عملٍ متدرج لا إلى ضجيجٍ يومي.
المنتخب السعودي في صورته الحالية يمثل نتاجاً واقعياً لبيئته الكروية. جميع عناصره من صناعة الأندية السعودية، لا نجوم قادمين من الخارج، ولا أسماء تحترف خارج المنافسة المحلية سوى اثنين.
في تقديري، هؤلاء اللاعبون واجهوا اختباراً حقيقياً في موسمٍ صعبٍ لم تتح لهم الفرص الكافية، ومع ذلك حافظوا على جاهزيتهم وروحهم القتالية.
في الأيام الأخيرة قبل مباراة الحسم، ارتفعت الأصوات المعتادة التي تحاول التأثير على تركيز الفريق، منها الدعوات إلى إبعاد لاعبٍ طُرد في مواجهةٍ سابقة أمام إندونيسيا، وكأنّ الواقعة مسألة انضباطية كبرى تستدعي قرارات فورية. هذا النوع من النقاشات يعبّر عن ذهنيةٍ انفعالية ترى في كل خطأ فرصةً لتصعيدٍ جديد، وتغفل أهمية التماسك والاستقرار في مثل هذه اللحظات.
رينارد واجه تحدياً صعباً في اختيار تشكيلته من لاعبين لا يملكون دقائق لعبٍ كافية في أنديتهم، لكنه استطاع في النهاية أن يخلق فريقاً منسجماً بروحٍ عالية، وفي تصوري أن هذا النجاح لا يرتبط فقط بالجوانب الفنية، وإنما بالقدرة على إدارة الضغط واستعادة هوية المنتخب التي بُنيت على الالتزام والرغبة في القتال حتى النهاية.
واجه «الأخضر» أيضاً موجةً من التحليلات الانفعالية التي تُدار بحثاً عن التفاعل أكثر من الحقيقة من تقَصُّد في الهجوم على لاعبين أو مدرب أو جهاز إداري، إلى جانب بيئة إعلامية يسيطر عليها في الغالب الرأي السريع على حساب القراءة العقلانية. ومع ذلك، لم ينشغل المنتخب بهذا الجدل، مُفضِّلاً التركيز داخل الملعب، لإيمانه بأن الأداء وحده هو أفضل رد.
لا شك أن تأهل «الأخضر» للمرة السابعة في تاريخه تأكيدٌ جديد على ثباته بين المنتخبات العربية الأكثر حضوراً في البطولات العالمية، ومعه رسالة واضحة بأن الاستمرارية ليست صدفة، وأن العمل المنظم قادر على تجاوز الأصوات المتسرعة مهما علت.
في تقديري، أن هذا المنتخب انتصر لأنه آمن بتاريخه، ووثق بقدراته، وتمسّك بهدوئه حتى وهو تحت الضغط. بهذا الاتزان واجه كل الضجيج المحيط به، وبالمنطق نفسه وصل إلى المونديال.
الوجود السعودي في كأس العالم مهم جداً باعتباره دلالة على أن صناعة الرياضة في المملكة تسير وفق ما خطط لها، وكما يقول المنطق «لا يصح إلا الصحيح».
