لطالما كان العرب وغيرهم يتغزلون بالقمر وجماله. غير أن أحداً لم يتوقع أن «يهبط» الإنسان على سطح «الهلال» الذي نصوم ونفطر لرؤيته. كيف يعقل أن يقف إنسان على سطح القمر الذي حفلت به أدبيات الشعوب وأشعارها. غير أن الأميركيين قد فاجأوا العالم في يوليو (تموز) 1969، بتنفيذ وعد رئيسهم جون كيندي في غضون ثمانية أعوام بالهبوط على سطح القمر، في حدث شاهده نحو 650 مليون شخص، حيث لم يكن لدى معظم شعوب العالم تلفزيون منزلي.
وتضافرت جهود العالم لإنجاح المهمة، حيث وفرت سويسرا ساعات لرواد الفضاء تعمل في حالة انعدام الجاذبة، وصممت السويد كاميرات لالتقاط تلك اللحظات التاريخية، وقدمت أستراليا تكنولوجيا الاستقبال لبث وقائع الهبوط على سطح القمر.
ومنذ تلك اللحظة يتساءل الناس ما الحكمة من الهبوط على سطح القمر؟ ثم تبيّن أن سباق الفضاء قد طور بشكل مذهل شتى أنواع التكنولوجيا في جميع القطاعات حتى يومنا هذا. فقد نجحت بواكير استخدام أول حاسوب يعمل بنظام التشغيل في الوقت الفعلي (طورته MIT) وصار في مقدور رواد الفضاء إدخال أوامر للتحكم في المركبة. وعندما حدث خلل في إحدى الغرف تمكنت «ناسا» من تطمين رواد الفضاء بتجاهل الأمر ومواصلة المهمة لتنجح المركبة «أبولو 11» في الهبوط بنجاح على سطح القمر.
وتطورت تقنية الهواتف الذكية، والكاميرات الرقمية، والمواد العازلة المستخدمة في المباني. كما أصبح الهبوط على القمر خطوة نحو استكشاف كواكب أخرى مثل المريخ، وبناء محطة فضاء دائمة بات فيها عربُ.
وتطورت أيضاً أنظمة الاتصالات والأقمار الصناعية وأنعشت فكرة البث التلفزيوني الذي كان آنذاك يعرض بشاشة «أبيض وأسود» للأسر الميسورة. وتحسنت تقنية مقاومة الحرارة في بدلات رواد الفضاء، ثم استفاد منها لاحقاً على الأرض رجال الإطفاء وغيرهم. وتطورت تقنية الملاحة فصار بالإمكان تحديد موقع كل شيء بدقة متناهية، ثم صرنا نشاهدها في تطبيق «غوغل مابز» الهاتفي. وتطورت تقنيات طبية عديدة منها مراقبة نبض القلب وضغط الدم، ثم انتقلت إلى المستشفيات.
واخترعت سماعات رأس تشبه التقنية التي نتمتع بها حالياً في هواتفنا، من عزل الضوضاء المحيطة، حيث صممت ميكروفونات لا تلتقط الضجيج ليسمع العالم صوت نيل آرمسترونغ وهو يقول لحظة نزوله: «إنها خطوة صغيرة لرجل، وقفزة عملاقة للبشرية». وجمع آرمسترونغ وزميله عينات صخرية من القمر لدراستها وفهم نظامنا الشمسي.
رحلة القمر فتحت آفاق التعاون الدولي والتكنولوجي مع أميركا. المفارقة أننا نذكر آرمسترونغ، لكننا ننسى رفيق دربه باز ألدرين، بل نغفل دور علماء ودول أثروا في الفضاء أكثر من الأميركيين. هكذا هي الفطرة البشرية، تمجد «الأول» وتنسى الأكفأ والأكثر تأثيراً.