طلال الحمود
إعلامي وكاتب سعودي، رئيس تحرير الأخبار الرياضية في قناة العربية.
TT

سباق السلاحف

استمع إلى المقالة

أصبح توسُّع الاتحاد الدولي لكرة القدم ومعه الاتحادات القارية والمحلية في استحداث البطولات وزيادة عدد المباريات يُهدِّد مسيرة اللاعبين بالنهاية الباكرة عن طريق الإصابات أو الإجهاد، وشهدت السنوات الأخيرة جدلاً واسعاً بشأن قدرة اللاعب على الركض دون حد أقصى للمباريات التي يجب أن يخوضها خلال الموسم، مقابل اهتمام الجهات المنظمة بزيادة عائداتها المالية من خلال تقليص فترات الراحة، وإضافة مزيد من ساعات اللعب.

وتسبب ازدحام جدول المباريات بتذمر كثير من اللاعبين في أوروبا، وبلغ الأمر مرحلة التهديد بالإضراب، ومن هؤلاء لاعب مانشستر سيتي والمنتخب الإسباني رودري، الذي خاض 58 مباراة خلال الموسم الماضي، مقابل 40 في موسم 2015 - 2016، ما جعله يكشف في تصريحات صحافية عن أن اللاعبين يقدِّمون أفضل أداء خلال 40 إلى 50 مباراة، قبل أن تنخفض مستوياتهم لعدم قدرتهم على الاحتفاظ بالجاهزية البدنية. وصادقت نقابة محترفي كرة القدم الدولية (فيفبرو) على شكوى اللاعبين من كثرة المباريات، حين أكدت في تقرير أصدرته خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، أن خوض 55 مباراة في الموسم يمثل الحد الأعلى للاعبين، وأن زيادة المشارَكات المحلية والدولية، بما يصاحبها من معسكرات وتنقلات مستمرة لساعات طويلة، من شأنها أن تؤدي إلى تراجع مستوى اللاعب، وغيابه المتكرر عن المباريات بداعي الإصابة، أو الإجهاد البدني والذهني.

وقبل نحو عامين حذَّر أطباء من عدم وضع حدٍّ للساعات التي يركضها اللاعب خلال منافسات الموسم، لاعتبار أن تحديد عدد المباريات من شأنه أنه يحافظ على مستويات اللاعبين ويجنبهم التعرُّض إلى الإصابات، خصوصاً بعدما زاد العبء إلى ما يتخطى الضعف، ما يهدِّد مسيرتهم في الملاعب ويقودهم إلى التوقف عن اللعب قبل بلوغ سن الثلاثين عاماً، بدلاً من الاستمرار على خطى مَن سبقوهم، والاعتزال في سن 38 أو 40 عاماً. وفي إحصائية نشرتها «فيفبرو» قارنت فيها بين لاعب باير ليفركوزن فلوريان فيرتز الذي خاض أكثر من 190 ساعة قبل بلوغه سن الـ21، والمخضرم الألماني مايكل بالاك الذي لعب 70 ساعة في العمر نفسه، اتضح أن الأعباء البدنية التي يتحملها اللاعبون حالياً تفوق بمراحل ما عرفه نجوم الماضي، وغالباً لن ينجو أكثر اللاعبين قدرةً على الركض من تأثير هذا الضغط، وبالتالي استمرار معاناة الأندية بسبب غياب بعض محترفيها عند كل جولة.

لا يختلف الوضع كثيراً في الدوري السعودي؛ إذ أصبحت الفرق تعاني عدم ثبات في المستوى والنتائج، حتى تحوَّل السباق نحو الصدارة إلى ما يشبه «سباق السلاحف» بعدما عجز الاتحاد المتصدر عن الفوز في 3 مباريات متوالية، وعجز معه الهلال والنصر والأهلي عن اللحاق به، بعدما أصاب هذه الفرق ما أصاب صاحب المركز الأول من تراجع الأداء ونقص الصفوف، بدرجة لا يمكن معها الرهان على مستقبل الاتحاد ومطارديه حتى مع تبقي 10 جولات من الدوري.

ومع أن عدد المباريات التي يخوضها الاتحاد لا يقارن بمثله لدى الأندية المشارِكة في البطولات الآسيوية والخليجية، فإن لاعبيه باتوا يعانون من تراجع في المستوى؛ بسبب الإجهاد، وتأثير الموسم الطويل على حضورهم الذهني، وهذا ربما يفسر ترنح الهلال القادم من موسم إعجازي إلى استحقاقات متوالية لن تنتهي قبل أن يفتح الموسم المقبل أبوابه، وسط استمرار مشاركة الدوليين مع منتخبات بلدانهم في المعسكرات والمباريات التجريبية والرسمية، ما يستدعي من المسؤولين عن كرة القدم السعودية الالتفات إلى وضع المسابقات المحلية وتقييم جدولتها، مع إعادة النظر في المشارَكات الخارجية، وفي مقدمتها العربية والخليجية للأندية والمنتخبات، وصولاً إلى تخفيف الإجهاد البدني والذهني عن اللاعبين بما يضمن سلامتهم واستمرارهم في الملاعب لأطول فترة.



المزيد من مقالات الرأي