أليكس كينغسبري
TT

موجة الذعر العظيم من الطائرات دون طيار

استمع إلى المقالة

تلقى الرأي العام بالفعل أفضل الإجابات الحكومية بخصوص أحدث موجات الذعر حيال الأضواء الغامضة التي سطعت بسماء نيوجيرسي. إلا أن المشكلة تكمن في أن الكثير من الأميركيين لا تروق لهم ببساطة الإجابات العادية - الطائرات ذات الأجنحة الثابتة، والطائرات الأصغر حجماً، والطائرات من دون طيار الخاصة بالهواة - الأمر الذي يوحي بأنهم حمقى، في أفضل الأحوال، أو مصابون بجنون الاضطهاد، في أسوئها.

وحتى التأكيدات الصادرة من مسؤولين في نيوجيرسي، على وجه الخصوص، لم تُجدِ كثيراً في إسكات الصخب العام الحالي. ولعل هذا لا يشكّل مفاجأةً في ولاية تعرض سكانها للخداع، مثلما الحال مع الكثير من أجزاء البلاد الأخرى، بمسرحية أورسون ويلز الإذاعية «حرب العوالم» قبل 86 عاماً. جدير بالذكر أن استطلاعاً أجرته مؤسسة «يوغوف»، هذا العام، أفاد بأن نحو 18 في المائة من الأميركيين على مستوى البلاد، قالوا إنهم شاهدوا أجساماً طائرة مجهولة الهوية.

الأسبوع الماضي، أصدرت وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي، بياناً مشتركاً، أكدا فيه للجمهور أنهما «يأخذان على محمل الجد التهديد الذي يمكن أن تشكله أنظمة الطائرات من دون طيار». وفي هذا الأسبوع، حظرت إدارة الطيران الفيدرالية، مؤقتاً، تحليق الطائرات من دون طيار، فوق ما يقرب من عشرين منطقة داخل الولاية.

في بعض الحالات، أطلق الناس في نيوجيرسي مسيّراتهم التجارية للتحقق من الطائرات من دون طيار، التي تحلق بسماء الولاية. وأظن أن ما يحدث، في بعض الحالات، أن الناس يرون للمرة الأولى مسيّرات حقيقية تحلق في الأجواء. ليس هذا فحسب، فقد سمحت الحكومة قريباً بتحليق الطائرات من دون طيار ليلاً، تحديداً منذ أواخر العام الماضي. والمؤكد أن جهل الجمهور بالطائرات من دون طيار سيتضاءل مع انتشار هذه الطائرات بشكل متزايد، وظهورها في جميع مناحي حياتنا اليومية.

ومع ذلك، فإن مجموعة الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت عبر الإنترنت، على مدار الشهر الماضي، والتي تدعي توثيق وجود مسيّرات - صديقة أو غير ذلك - رغم الإصرار المتكرر من الحكومة ووكالات إنفاذ القانون على أن الأضواء الساطعة بالسماء ليست أجساماً خبيثة أو أشياء خطيرة أو مركبات فضائية، تشير إلى وجود أمر آخر يجري.

من جهتهم، ألمح المسؤولون الأميركيون إلى أن الكثير من الأجسام الطائرة قد تكون في الواقع طائرات مأهولة، مثل الطائرات أو المروحيات. والواقع أن منطقة الثلاث ولايات ربما تكون من بين أكثر المساحات الجوية ازدحاماً على مستوى البلاد؛ حيث تكتظ السماء بالطائرات الكبيرة والخفيفة، والأقمار الصناعية المرئية من الأرض، إضافة إلى عدد متزايد من الطائرات من دون طيار الفعلية.

ونؤكد من جديد أن الأضواء التي تسطع في السماء ليست طائرات من دون طيار كورية شمالية أو إيرانية. ولا طائرات من دون طيار شريرة يجري إرسالها بشكل غير قانوني بأعداد كبيرة فوق منشآت عسكرية آمنة - رغم أن الحكومة الفيدرالية فرضت قيوداً على المجال الجوي فوق أحد ملاعب الغولف التابعة لدونالد ترمب في نيوجيرسي، ومنشأة عسكرية قريبة.

في الحقيقة، إن الكثير من المشاهدات كانت لطائرات أو مروحيات أو نجوم أو أقمار صناعية أو مجرد طائرات من دون طيار عادية تحلق لأسباب عادية. من جهته، نشر لاري هوغان، الحاكم السابق لولاية ماريلاند، مقاطع فيديو لأضواء مشبوهة في السماء فوق منزله، فقط ليلاحظ صحافي من صحيفة «نيويورك بوست»، أن تلك الأضواء تبدو تماماً مثل «كوكبة الجبار».

وعلى ما يبدو، فإن الحماس لسبر أغوار أعماق الأضواء التي تضيء سماوات الليل لا يعرف حدوداً، ويشير إلى أن الأجسام الطائرة المجهولة تركت علامة لا تمحى على الرأي العام الأميركي.

وفي حين يبدو أن التقارير عن عمليات الاختطاف من قبل الكائنات الفضائية في تضاؤل، نعاين في المقابل أن موجة من الذعر المجتمعي تجاه الطائرات من دون طيار. يغذي الذعر الوشيك من الطائرات من دون طيار ليس فقط انتشار المعلومات المضللة، بخاصة عبر الإنترنت، بل إن القدرة على تغيير أو فبركة الصور ومقاطع الفيديو تجعل الأدلة المفترضة أكثر إقناعاً للمستهلك العادي غير الواعي.

من جهتي، ومنذ بدأت في استخدام هذه الطائرة، بدأت ألاحظ كذلك مدى انتشار اللقطات الجوية في الإنتاجات التلفزيونية، وعبر الشاشات من حولنا. ولماذا لا؟ لقد كان فحص الأحداث على الأرض من السماء دائماً ما يأسر خيال البشر.

وبصرف النظر عن انتشارها الحالي في النزاعات المسلحة، فإن عصر الطائرات من دون طيار قد بدأ بالفعل، وستصبح السماء أكثر ازدحاماً في الفترات المقبلة. وأتمنى أن تجلب لنا هذه الطائرات المزيد من السحر، من دون الكثير من الخوف.

* خدمة «نيويورك تايمز»