يلعب المعدن الأصفر دوراً أساسياً في أيام السلم، ويُعدّ من الثروات التي تعتمد عليها الدول والأفراد، ويشكّل أهمية كبرى في الاقتصاد العالمي. كما يُعدّ أحد الأصول الآمنة بسبب قيمته الجوهرية، ومحدودية عرضه، وتقبّله من قِبل العالم أجمع.
ويلعب الذهب دوراً مهماً وأساسياً بوصفه أحد الأصول الآمنة في أوقات الصراعات والحروب، حيث يأخذ ديناميكيته الفعّالة خلال التوترات الجيوسياسية والمواجهات العسكرية التي ينعكس تأثيرها على سعر الذهب، كما يبدو جلياً على مرّ التاريخ. إذا عدنا إلى العصور القديمة فسنجد أن الذهب كان ملاذاً موثوقاً به في أوقات الأزمات والصراعات، وذلك في أثناء تعثّر العملات وتداعي الأسواق العالمية، حيث إن المستثمرين كانوا يلجأون إلى الأصول الآمنة (الذهب) حفاظاً على ثرواتهم، وتحوّطاً من ويلات ومصائب الحرب.العلاقة الوثيقة بين الحروب والصراعات المسلحة من جهة، وأسعار الذهب من جهة أخرى، تجعلنا ندرك مدى التأثير المباشر للأزمات والصراعات على «أسواق الذهب». أضف إلى ذلك العوامل النفسية والاقتصادية التي تؤثر سلباً على سلوك المستثمرين، كما حدث خلال الحربين العالميتين: الأولى والثانية، اللتين كان تأثيرهما مزلزلاً على أسواق الذهب العالمية، حيث ارتفع سعر الذهب إلى أرقام قياسية، بعد أن لجأ المستثمرون إليه ملاذاً آمناً خوفاً من الاضطرابات الجيوسياسية وارتفاع سعر الذهب.
إن زيادة الطلب على الذهب تؤدي تلقائياً إلى ارتفاع الأسعار في السوق العالمية بشكل مباشر، وفي مختلف القطاعات الاقتصادية والشؤون المالية الحكومية. إن الحكومات التي تعتمد على عائدات الذهب قد تجد صعوبات في تحقيق التوازن بميزانياتها، بسبب التقلب فيها، نظراً لارتفاع أو انخفاض أسعار الذهب، في حال كانت تفتقر إلى احتياطات مالية كافية لمواجهة التقلبات في أسعار السلع الأساسية، وإذا لم تقم بتنويع اقتصاداتها.
إن التوترات الجيوسياسية والنزاع المسلّح المستمر بين روسيا وأوكرانيا، والآن حرب إسرائيل على «حماس» و«حزب الله»، كل ذلك أدّى إلى ارتفاع أسعار الذهب بشكل جنوني. وإذا استمرت الحرب لفترة طويلة فقد يؤدي ذلك إلى بقاء أسعار الذهب في مسارٍ صعودي.
الذهب والدولار الأميركي يرتفعان على وقع طبول الحرب بين إيران وإسرائيل، والتوقعات محتملة بإمكانية وصول سعر الذهب إلى مستوى 3 آلاف دولار أميركي للأونصة (الأوقية)، بحلول أوائل عام 2025، وفقاً لتقرير «غولدمان ساكس» للأبحاث. ولكن ما علاقة الذهب بالدولار الأميركي؟
كان الذهب أساس الرأسمالية الاقتصادية لمئات السنين، وعندما أُلغي المعيار الذهبي أدّى ذلك إلى توسع نظام العملة التي لا تملك فيها النقود أيّ دعم ضمني بأيّ شكل مادي من أشكال الاستثمار. كما أن الاتحاد الأفريقي الذي هو رمز الذهب كان المعيار المشترك لقياس قيمة الذهب في جميع أنحاء العالم، وسعر الذهب مقتبس بالدولار الأميركي الذي تبين مؤخراً أنه غير مدعوم بالذهب، بحيث يمكن مقايضة الأونصة الواحدة من الذهب بمبلغ 35 دولاراً أميركياً قبل عام 1971. وكان بإمكان أيّ بنك مركزي في العالم أن يطلب من أميركا تسوية ديونها بالذهب... وفي عام 1971، عندما فصل الرئيس ريتشارد نيكسون الذهب عن الدولار الأميركي، لم يعد بإمكان البنوك المركزية تسوية الديون إلا بالدولار الأميركي، ما أدّى إلى تعويم الدولار بناء على «اتفاقية سميثسونيان»، وكان سبباً في انهيار اقتصادات العالم.
أخذت البنوك المركزية بجميع أنحاء العالم في تكديس الدولارات الأميركية التي أصبحت العملة الاحتياطية، لتتراكم الدولارات على مدى سنوات، وتصبح جزءاً من احتياط البنوك المركزية. وبهذا أصبحت الدولارات الأميركية المكدّسة في الحسابات المصرفية الأجنبية أكثر بكثير مما هو موجود في أميركا. والآن، تزداد المخاوف بشأن عدم استقرار الدولار بسبب الحيازات الضخمة التي يمتلكها كل بنك مركزي، ما يجعل العلاقة عكسية بين الذهب والدولار الأميركي، ويؤثر سلباً على الدولار بوصفه عملة احتياطية عالمية.
لهذا تجري مناقشات على أن العالم يحاول الابتعاد عن اعتماده على الدولار الأميركي (كما يحدث الآن مع مجموعة «بريكس»)، ففي حال حصل ذلك، فسوف تتوقف البنوك المركزية عن شراء عوائد سندات الخزانة الأميركية والدولار الأميركي لاحتياطاتها، ما قد يتسبب بانخفاض سعر الدولار الأميركي. أما بالنسبة للنفط، فإن العلاقة بين الذهب والنفط علاقة متينة، وارتفاع أسعار النفط يحدث زيادة في أسعار الذهب.
يتم شراء الذهب سلعة ويستخدم في صناعة المجوهرات والصناعات الإلكترونية والطبية... لكن جاذبيته لدى المستثمرين تكمن في اعتباره سلعة استراتيجية، ومن أهم الأصول التي تلعب أدواراً أساسية في أي محفظة استثمارية. ويُخزّن احتياطي الذهب على شكل سبائك في البنوك والمصارف المركزية، ويكون عيار السبيكة 24 قيراطاً، وهو ذهب خالص 100 في المائة،
وأتت السعودية في صدارة الدول العربية التي يوجد فيها ذهب مع احتياطات وصلت إلى 323 طناً، بلغت قيمتها 21.588 مليار دولار أميركي، تلاها لبنان الذي يملك احتياطات ذهبية بلغت 286 طناً، بقيمة 17.25 مليار دولار أميركي. بينما تصدرت الولايات المتحدة قائمة دول العالم من احتياطات الذهب بإجمالي 8133.46 طن، تلتها ألمانيا، وإيطاليا... وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي.