جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

لبنان ومحنة الحرب

استمع إلى المقالة

الرتقُ في الشرق الأوسط يتّسع على الراتقين. والحرب التي بدأت في غزّة منذ عام مضى تقريباً وصلت إلى لبنان، وليس بمستطاع أحد التكهن بتطوراتها، أو فعل شيء حيالها. هل نقول وداعاً لسلام مأمول لا يأتي.

بعد هدنة مؤقتة منذ عام 2006، ها هو لبنان، مرّة أخرى، يجد نفسه هدفاً لغزو إسرائيلي آخر. الهدفُ الإسرائيلي المعلنُ يسعى إلى تهميش الوجود الإيراني على حدودها ممثلاً في «حزب الله». وإيران، من جهتها، أعلنت أنها لن تبلع الطُّعم الإسرائيلي، وتتورط في الدخول في حرب معها.

لم تكن الحرب مفاجأة. كانت كل المؤشرات، منذ بدء حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزّة تؤكد أن الحرب قادمة لا محالة. إسرائيل تعد «حزب الله» يد إيران الضاربة في لبنان. ومنذ الأسابيع الأولى للحرب ضد حركة «حماس» في غزّة، بدأ المعلقون السياسيون والعسكريون، في وسائل الإعلام، ينتقلون بأحاديثهم إلى الحرب المقبلة حتماً في جنوب لبنان.

مباشرة، عقب نجاح المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في تدمير شبكة اتصالات «حزب الله» مؤخراً، بتفجير أجهزة «البيجر» والراديو اللاسلكي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي إن البوصلة الإسرائيلية تتحرك شمالاً. وكانت رسالة واضحة إلى قيادة «حزب الله» وإيران والعالم.

في الجمعية العامة للأمم المتحدة، خطب مؤخراً، وللمرّة الأخيرة، الرئيس الأميركي جو بايدن أمام وفود دول العالم، مؤكداً أن كل جهوده حالياً موجهة نحو منع حدوث كارثة الحرب في لبنان. الرئيس الأميركي بايدن يدرك مسبقاً أن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل لن يثنيها شيء عن تنفيذ مخططها، وجرّ كل المنطقة إلى حرب مهلكة، لعلمها المسبق أن واشنطن والغرب عموماً، لن يتخلوا عن دعمها، وأن الرئيس بايدن لن يصدر قراراً بوقف شحنات الأسلحة إلى قواتها. لكن السباق مع الزمن يجري على قدم وساق في أروقة الأمم المتحدة على أمل إقناع إسرائيل و«حزب الله» بوقف كارثة الحرب.

يوم الخميس الماضي، لدى وصول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، نقلت وسائل الإعلام خبراً صادراً عن مكتبه في القدس يقول إنه قبل سفره أصدر تعليماته للجيش الإسرائيلي بالاستمرار في استخدام كامل قوته في لبنان. وقامت وزارة الدفاع باستدعاء الاحتياط.

وسائل الإعلام العربية والدولية تنقل إلينا صور آلاف اللاجئين اللبنانيين الذين فرّوا من بيوتهم وقراهم وبلداتهم، في جنوب لبنان، قاصدين بيروت، وكذلك صور الدمار الذي لحق بعدة مناطق.

من جانب آخر، أعلن وزير الدفاع اللبناني أن قوات بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي في حال حدوث غزو إسرائيلي لأراضي بلاده. وفي بريطانيا، طلبت الحكومة من مواطنيها المقيمين في لبنان المغادرة الفورية، وأعلنت عن خطة طارئة لإجلاء نحو 10 آلاف بريطاني. كما أعلنت عدة شركات طيران دولية عن إيقاف رحلاتها إلى لبنان.

الآن، أضحت الأرض ممهدة أمام قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي للتحرك باتجاه الهدف: طرد «حزب الله» من جنوب لبنان إلى ما وراء النهر، وإضعافه عسكرياً وسياسياً، بهدف إضعاف الوجود الإيراني على حدودها الشمالية، وتهميشه سياسياً في لبنان.

ليس بمقدور أحد التكهن بنجاح الوسطاء في وقف الكارثة، أو التنبؤ بالاتجاه الذي ستتجه نحوه الحرب المقبلة. ومن الواضح، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية وائتلافه اليميني المتطرف لا يفكرون في التهدئة، بل يركضون مسرعين نحو مواصلة التصعيد العسكري لتحقيق أهداف مختلفة. نتنياهو يسعى لضمان بقائه في السلطة لأطول فترة ممكنة، لضمان عدم مثوله أمام القضاء بتهم الفساد. واليمين المتطرف يسعى إلى تحقيق حلمه المعلن في إسرائيل الممتدة من البحر إلى النهر. وقادة إيران، يؤكدون من طهران أنهم لن يبلعوا الطُّعم الإسرائيلي، ولن ينجرّوا إلى الدخول في حرب تشعل كل المنطقة. وكل ذلك يحدث بسرعة عجيبة، في وضع دولي يعاني من تأثيرات حرب الاستنزاف الأوكرانية - الروسية، وفي وقت عاد فيه الحديث عن احتمال لجوء موسكو لاستخدام السلاح النووي، في حالة سماح أميركا لحكومة كييف باستخدام الصواريخ الأميركية بعيدة المدى، في ضرب أهداف داخل الأراضي الروسية.

المسافة الزمنية التي تفصل لبنان عن محنة الحرب، بدخول قوات إسرائيلية إلى أراضيه، تضيق يوماً إثر آخر. والمساعي الدولية التي تُبْذل لتهدئة الموقف في سباق مع الزمن، إلا أن السباق يسير في خط معاكس لما يريده الائتلاف اليميني المتطرف. وفي هذا الخضم، تكاد تتلاشى من وسائل الإعلام، أي أخبار عن تطورات مفاوضات السلام بين حركة «حماس» وإسرائيل.