عندما تنهار الثقة، ما الذي يمكن أن يبقي أمة ما متماسكة؟ تاريخ مشترك؟ لغة مشتركة؟ الترابطات التي لا مفر منها، والناشئة عن العيش في جوار وثيق؟ لا شيء على الإطلاق؟
يثقل هذا السؤال كاهل الحياة الأميركية، فهو يخيم بظلاله على كبرى القضايا المثارة اليوم: حياتنا السياسية وحكومتنا التي عصف بها الانقسام والتمزق، وصعود الذكاء الاصطناعي، والحروب الثقافية المستعرة داخل أروقة الشركات والمدارس، والتهديدات الوجودية المرتبطة بالتغيرات المناخية والأمراض.
الحقيقة أننا نعيش أزمة غياب ثقة منذ بعض الوقت، رغم ظهور بعض النقاط المضيئة من حين لآخر هنا وهناك.
في الوقت ذاته، ربما تكون الأحداث التي تعصف بالعالم، قد أربكت مشاعرنا حيال مؤسسات معينة. على سبيل المثال، عززت الأيام الأولى من جائحة «كوفيد»، لفترة وجيزة، إيماننا بالعلم والطب، لكن إذا نظرنا عبر نطاق أوسع، تبدو الصورة الكبيرة لا لبس فيها: أن الخط العام يسير في اتجاه واحد ــ نحو الأسفل.
اليوم، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تعد بمثابة استفتاء على إيماننا بالديمقراطية ذاتها، تبدو مسألة الثقة ملحة على نحو متزايد. كيف فقد الأميركيون إيمانهم بنزاهة مؤسساتنا الأكثر أهمية، التي لطالما فخرنا بها؟ والمسألة الأشد إلحاحاً: كيف يمكننا استعادة هذا الإيمان؟
عندما تواجه مشكلة شائكة، دائماً ما تلجأ صفحة الرأي لدى «بلومبرغ» إلى البيانات، لكن الثقة في هذا الصدد تبدو متزعزعة ــ فلا توجد أرقام صلبة يمكن التمسك بها كما قد نفعل عند تتبع الناتج المحلي الإجمالي أو البطالة، على سبيل المثال. إلا أنه بدلاً من ذلك، لم يتبقَّ لنا سوى المشاعر. وكما سيخبرك أي خبير كفء بمجال استطلاعات الرأي، تبقى استطلاعات الرأي علماً غير كامل. ومع أن استطلاعات الرأي تسهم في قياس درجة حرارة الجمهور (وتتبع تغييراته على مدى العقود)، فإنها تخبرنا القليل عن القوى التي تقوض الثقة العامة، ناهيك عن العوامل التي قد تسهم في إعادة بنائها.
عبر هذه السلسلة، سنبحث في الأمرين. لجأ كتابنا إلى الخبراء والتاريخ ومعرفتهم العميقة بالمؤسسات الأميركية، لتحديد أسباب الشعور بخيبة الأمل ورسم مسار نحو الأمام.
وتظهر بعض الموضوعات بشكل متكرر في تقاريرنا. مثلاً، يبدو الإنترنت وكل ما أطلقه (خاصة وسائل التواصل الاجتماعي والآن الذكاء الاصطناعي)، بمثابة جزء أساسي من لغز الثقة. لقد جعلت ديمقراطية المعلومات الناس أقل اعتماداً على المؤسسات والنخب، لكنها حطمت في الوقت ذاته الإطار العام الذي شكل تصورنا المشترك للواقع.
وتكمن مسألة أخرى مهمة في حالة الاستقطاب السياسي المتزايد في البلاد، الذي يضع تلقائياً أي شخص من «الجانب الآخر» في معسكر العدو. وقد لعب تطور الاقتصاد دوراً في هذا الانقسام، عبر تشكيل مجموعات جديدة من الفائزين والخاسرين، وخلق قطاعات من المجتمع ليس لديها ما يدعوها إلى الثقة بأولئك الذين تركوها في مهب الريح.
إن ما تعلمناه كان مفاجأة لنا، ومخيفاً في كثير من الأحيان، وكذلك يبعث على التفاؤل في أحيان أخرى. ونعتقد أنه سيمنح القراء فهماً أعمق للأسباب التي تجعلنا نشعر بالشك والانقسام وعدم اليقين بشأن المستقبل ــ وكيف يمكن أن نبدأ في إصلاح الضرر الذي حدث.