في كوكب بعض المُمسِكين بمقاليد السلطة، الذين في القمة، والذين في بعض المناصب تُوكَل إليهم بالذات، شعور بالاستقواء يُفرِز مع الممارسة شعوراً بالاستعظام، وهذان -الاستقواء والاستعظام- يدفعان بالبعض، عند وصولهما إلى درجة الفائض من الشعور، إلى أن يقولوا من الكلام ما ليس جائزاً قوله، وأن يفعلوا من الفعل ما ليس مستحباً فِعله.
وفي حالنا الحاضرة هذه تعيش المنطقة ظاهرة الاستقواء والاستعظام في أعلى درجاتها قولاً وفعلاً، وتتجسّد في شخص رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي اقترف من أغلظ الكلام وأفجع الاعتداءات ما من شأنه جَعْل الخشية واردة مما قد يكون الأدهى من الاعتداءات والتحديات الصاروخية المتبادلة، ومعها المسيَّرات التي تعكّر صفو المنطقة.
وجاء رد فعل نتنياهو يوم الجمعة 19 - 7 - 2024 على المطالعة الموضوعية لمحكمة العدل الدولية، التي تلاها عبْر الفضائيات على الملأ الدولي رئيس المحكمة نواف سلام، يعكس كم أن الاستعظام مقروناً بالاستقواء بلغ أن نتنياهو وبعض المتشنّجين في طاقمه الحكومي، يستهزئون بما جاء في تلك المطالعة؛ لأنها تؤكّد على حقائق ومبادئ لا جدال في صواب وقانونية مضامينها، ومنها أن بعض فلسطين (المستملَكة أصلاً لليهود بموجب وعد بريطاني؛ وعد بلفور 2 نوفمبر 1917) له وضعية الأرض المحتلة.
ومما قاله نتنياهو، الفاقد حديثاً عموده الفقري الأميركي الواهن الرئيس جو بايدن: «الشعب اليهودي لا يحتل أرضه، ولا عاصمتنا القدس، ولا أرض آبائنا وأجدادنا في يهودا والسامرة (الاسم الذي يطلقه الإسرائيليون على الضفة الغربية المحتلة)، ليس لأي قرار كاذب في لاهاي أن يشوّه هذه الحقيقة التاريخية، ولا يمكن التشكيك في شرعية المستوطنات الإسرائيلية في جميع مناطق أراضينا».
وفي سياق فائض الاستقواء والاستعظام تحضرنا مفردات كلمات، قالها عبد الحليم خدَّام وزير الخارجية السورية، المستقوي برعاية نظام الرئيس حافظ الأسد، في تصريحات أدلى بها وهو في زيارة إلى الكويت (1976)، ومما قاله الوزير خدَّام (الراحل) حول محطة من محطات الأزمة اللبنانية، التي يدير شأنها زمنذاك النظام السوري، ثم يتم تجييرها بطبعة جديدة وبأسلوب مغاير النظام الإيراني بارتضاء ومساندة من جانب سوريا الحالية: «إن محاولات تعريب الأزمة اللبنانية تعني كثرة الطبّاخين، وتعني تشتيت المساعي، وإننا لن نسمح بتقسيم لبنان، وأي مباشرة للتقسيم ستعني تدخُّلنا الفوري؛ لأن لبنان كان جزءاً من سوريا، ولسوف نعيده لدى أي محاولة فعلية للتقسيم...».
إلى ذلك فإن ظاهرة الاستقواء والاستعظام عشنا بعض محطاتها قبل 4 عقود، وبالذات في زمن الحرب العراقية – الإيرانية. وثمة أوجُه تشابه بين قول نتنياهو بغرض دحض وصف الضفة الغربية وقطاع غزة أرضاً فلسطينية محتلة، وأقوال استوقفتنا بوصفنا صحافيين نتابع مجريات الحرب الخمينية – الصدَّامية، تماماً كما استوقفت مئات المسؤولين والدبلوماسيين والعسكريين العرب، الذين استهجنوا قولها، ومن جانب أهل الحكم الإيراني. وللتذكير هنالك على سبيل المثال قول الخميني: «إن إيران ستطالب بفرض سياستها على بغداد إذا ما أصرّ العراق على مطالبته بالجُزر العربية الثلاث»، و«الدخول للأراضي العراقية ليس هجوماً على العراق، بل دفاعاً عن الإسلام والوطن الإسلامي»، و«إن حربنا حرب لا تعرف الحدود والأطر الجغرافية، وعلينا أن نعبّئ ونحشد جنود الإسلام في العالم من أجْل هذه الحرب».
كذلك قول رافسنجاني: «إننا عازمون على أخْذ العراق من يد حزب البعث»، و«إننا سنواصل هذه الحرب بجيشنا وجنودنا حتى احتلال العراق»، و«لا فرق بين البصرة وعبادان، وإذا استطعنا أن نكون بلا عبادان فإننا لا يمكن أن نتخلّى عن البصرة»، و«إن كل منطقة نحتلها من أرض العراق لن نعيدها، وإن مدن العراق هي مدننا»، و«إننا نستطيع تهديد بغداد والضغط عليها في أي وقت نشاء، ومن دون خوف، وأن نسلبها الأمن، وأن نوجّه لها ضربة كبيرة».
لقد بات أصحاب تلك الأقوال في دنيا الآخرة، لم يتحقّق مبتغاهم من اعتماد نهج الاستقواء والاستعظام، ولن يكون بمقدور الطبعة الإسرائيلية نيْل ما ترومه، مهما أوغلت في الاستقواء وممارسة العدوان بكل أنواعه، وبالغت في الاستعظام بتنوع مفردات التعليق على الحقائق بمفردات لا جدوى من فاعليتها، وإن طال الزمن؛ فالاحتلال كما العدوان... حالة ظلم قد يمارس جولاتها لبعض الوقت مستبدٌّ ظالم مُتخَم بالمعونة العسكرية والسياسية من جانب دول ظالمة، تتصدّرها الولايات المتحدة وبريطانيا، ومَن يغرّد في سربهما الصهيوني.