علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

تقرير البهي...!

استمع إلى المقالة

المثال الأوفق لتوضيح رضوان السيد ملاحظته على نقد الإسلاميين للاستشراق، التي تتمثَّل في ربطهم الاستشراق بالتبشير بشكل لازب، هو التقرير الذي كتبه محمد البهي تحت عنوان «المبشرون والمستشرقون في موقفهم من الإسلام». لأنَّ هذا التقرير هو العمل الأساسي والتأسيسي الذي انطلق الإسلاميون منه في تأليف كتب وكتابة مقالات ودراسات تقوم على التوأمة بين الاستشراق والتبشير. وهو العمل الأساسي والتأسيسي لدى هذه الطائفة في تجريم «دائرة المعارف الإسلامية» أو «إنسيكلوبيديا الإسلام» تجريماً دينياً إسلامياً. وبسببه أفرد اثنان من أبناء هذه الطائفة لكارل بروكلمان وفيليب حتي ثلاثة كتب حجاجية.

هذا التقرير نشره أول مرة البهي في مجلة «الأزهر»، السنة 31، العدد «4 – 5»، نوفمبر «تشرين الثاني» 1959. المطبوعة الوحيدة التي تنَّبهت له حينها، هي مجلة «الحج والعمرة» عدد يناير «كانون الثاني» 1960، إذ اقتطفت من شقه الثاني فقراتٍ وأهملت شقَّه الأول!

يذكر مصطفى السباعي في مقاله الثاني عن المستشرقين في مجلة «حضارة الإسلام»، العدد التاسع، مارس «آذار» 1962، الذي ضمَّنه ثبتاً بأسماء مجلات المستشرقين وأسماء مشاهيرهم وكتبهم... يذكر أنَّ هذا الثبت مأخوذ من محاضرة البهي بعنوان «المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام»، لكنَّه لم يذكر متى وأين ألقاها. والذي يسّر له في مقاله هذا الأخذ منها، أنَّ البهي أعطاه نسخة من نصها المكتوب.

نلحظ أنَّ الشطر الثاني من عنوان التقرير تغيَّر من جملة «في موقفهم من الإسلام» إلى جملة «وموقفهم من الإسلام».

نشرَ البهي التقرير مرة ثانية في مطبوعات الإدارة العامة للثقافة الإسلامية التابعة للجامع الأزهر في كتيب، وطُبع في مطابع الأزهر، وحافظ على عنوانه الأصلي الذي نشره به أول مرة في مجلة «الأزهر»: «المبشرون والمستشرقون في موقفهم من الإسلام». وقد ذُكر على غلاف الكتيب تحت اسمه مسمى المنصب الإداري الذي يشغله في الجامع الأزهر حين صدور هذا الكتيب، وهو المدير العام للثقافة الإسلامية.

يبلغ عدد صفحات الكتيب 32 صفحة. وقد أُغفل في بيانات نشره ذكر تاريخ طبعه، إلّا أنَّ برنارد لويس في مقاله «مسألة الاستشراق» رجَّح أنَّه طُبع عام 1962. النشر الثالث للكتيب كان في عام 1963. وكان الناشر مكتبَ الصحافة والإعلام. وقد حرص الناشر على أن يذيّل اسمَه على غلاف الكتاب بمنصبه الوزاري في ذلك الوقت. ومنصبه الوزاري في ذلك الوقت كان وزير الأوقاف وشؤون الأزهر. وقد ظلَّ في هذا المنصب الوزاري من 29 سبتمبر «أيلول» سنة 1962 إلى 25 مارس سنة 1964.

في الطبعة الرابعة من كتابه الضخم «الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي» الصادرة عام 1964، أدرج تقريرَه ضمن ملحقات هذا الكتاب مع جعل عنوانه «المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام».

ملحقات الكتاب ضمَّت، إضافةً إلى هذا التقرير، عرضاً نقدياً لكتاب جاستون فييت «مجد الإسلام» كتبه حسين مؤنس. ذكر البهي أنه نُشر في الملحق الأدبي لجريدة «الأهرام». كما ضمت الملحقات دراسة منشورة باللغة الإنجليزية في مجلة «The Muslim World»، عدد يوليو «تموز»، سنة 1963، عنوانها «المستشرقون الناطقون بالإنجليزية ومدى اقترابهم من حقيقة الإسلام والقومية العربية»، كتبها عبد اللطيف الطيباوي، وترجمها للبهي من الإنجليزية إلى العربية محمد فتحي عثمان.

الأخير –كما ذكر البهي في مقدمة الطبعة الرابعة– كان قد أشرف على إعداد هذه الطبعة وعلى إعداد الطبعة الثالثة الصادرة عام 1961.

إدراج البهي تقريره في ملحقات كتابه «الفكر الإسلامي الحديث وصِلته بالاستعمار الغربي» منذ طبعته الرابعة، هو الذي منحه الانتشار والشهرة لدى الإسلاميين، وهو الأمر الذي لم يتحقق للتقرير حين نشرته مجلة «الأزهر» في المرة الأولى، وحين نشرته الإدارة العامة للثقافة الإسلامية في الأزهر، وحين نشره مكتب الصحافة والإعلام في كتيبين في المرة الثانية وفي المرة الثالثة.

فنشرُه ضمن ملحقات ذلك الكتاب، خدمه خدمة كبرى. لأنَّ الكتاب كان كتاباً رائجاً من طبعته الأولى عام 1957 في العالمين العربي والإسلامي. وهذا الكتاب –بالمناسبة– من المراجع الأساسية المتفَق عليها عند تيارات «الصحوة» السنية وعند تيارات «الصحوة» الشيعية.

عند مقارنتي لفحوى التقرير وغايته مع موضوعات الكتاب، ظهر لي أنه جزء مكمّل لفصل قصير في الكتاب عنوانه «المستشرقون والاستعمار». ففي هذا الفصل القصير رأى أن المستشرقين تتحكم فيهم نزعتان: «تمكين الاستعمار الغربي في البلاد الإسلامية، وتمهيد النفوس بين سكان هذه البلاد لقبول النفوذ الأوروبي والرضا بولايته»، و«الروح الصليبية في دراسة الإسلام، تلك النزعة التي لبست ثوب البحث العلمي، وخدمة الغاية المشتركة».

في الشق الأول من التقرير الذي هو عن المبشرين، اتكأ فيه كثيراً على كتاب «التبشير والاستعمار» للخالدي وفروخ، أما الشق الثاني منه الذي هو عن المستشرقين، فقد غلب عليه الطابع الببليوغرافي والطابع المعجمي. وللحديث بقية.