في خضم الأخبار المتلاحقة التي تغطي أحداث العالم الملتهب في غزة وأوكرانيا والسودان والبحر الأحمر وجنوب لبنان وانتخابات أميركا ومضيق تايوان... تم تداول خبر سريع ضاع في وسط الزحام بالرغم من أهميته ورمزيته الكبرى، وهو إعلان عملاق التقنية الكبير شركة «أبل» عن الإلغاء التام لمشروعها المنتظر المتعلق بتصنيع سيارة كهربائية. وقد قوبل الخبر بالدهشة، مع ضرورة الإشارة إلى أن سعر سهم الشركة بقي على ما هو دون أن يتأثر سلباً، وذلك بعد أن تم الإعلان عن الخبر.
وكانت شركة «أبل» قد أمضت أكثر من عقد من الزمان تجوب العالم بقيادة رئيسها التنفيذي تيم كوك، وتقابل بعض أهم شركات تصنيع السيارات مثل «بي إم دبليو» في ألمانيا و«نيسان» في اليابان و«هيونداي» في كوريا الجنوبية؛ لبحث أوجه التعاون معهم في إنتاج سيارة «أبل» المستقبلية، والتي كان من المفروض أن تحدث الصدمة الهائلة وتغير قواعد اللعبة تماماً، كما فعل هاتف «أبل» المعروف باسم «الآيفون» في عالم الاتصالات، وكما فعلت ساعة «أبل» الذكية في عالم الساعات.
وشركة «أبل» المرشحة بقوة للوصول إلى قيمة سوقية تتخطى ثلاثة تريليونات من الدولارات لتصبح أول شركة في العالم تصل إلى هذا المستوى، كانت تخطط لإصدار نسخة متطورة جداً من السيارات الكهربائية، والتي كان من المخطط لها أن تكون ذاتية القيادة أيضاً بتقنية ذكية غير مسبوقة.
وكانت «أبل» قد انضمت إلى معظم الشركات المصنعة للسيارات الذين تبنوا قرار الدخول إلى صناعة السيارات الكهربائية، وذلك باستثناء كبرى شركات السيارات «تويوتا» التي قررت عدم الدخول في هذه التجربة لقناعتها بأن العالم لن يستغني عن الوقود التقليدي، وأن سعر السيارات الكهربائية لا يزال مرتفعاً، بالإضافة إلى أزمة توفير البطاريات المطلوبة لإنتاج تلك السيارات ستكون معيقة لتوفيرها، وأن «تويوتا» ستكتفي بإنتاج سيارات ذات محركات هجينة تعمل بالطاقتين الكهربائية وبالوقود.
وعرف قرار شركة «تويوتا» في أوساط صناعة السيارات برهان «تويوتا»؛ كونه كان يسير ضد التيار القوي الداعم لتصنيع السيارات الكهربائية.
وكانت بعض الشركات الرائدة في تطوير تقنية صناعة السيارات بدأت في إعادة تعريف هويتها ومجالها، فعرفت نفسها بأنها شركة تعمل في مجال التنقل، وذلك بعد أن كانت لسنوات تعرف نفسها بأنها شركات تعمل في مجال المواصلات، والفارق الجوهري بين الاثنين أن التعريف الأول الجديد يعتمد على التقنية والقيادة الذاتية والطاقة البديلة عكس التعريف الثاني تماماً.
ولذلك هناك من يرى في قرار شركة «أبل» بالخروج من صناعة السيارات الكهربائية قراراً جوهرياً مهماً فيه انتصار لرهان «تويوتا»، في حين أن آخرين يشيرون إلى أن السيارات الكهربائية أصبحت واقعاً لا يمكن تجاهله ولا إنكاره ولا الاستخفاف به؛ لأن بين كل خمس سيارات يتم إنتاجها واحدة منها كهربائية.
ولعل الرأي المهم لأحد أهم خبراء الطاقة والتنقل البروفيسور الجامعي الكاتب الكندي ذي الأصول التشيكية فاسلاف سميل (والذي وصفه بيل غيتس بكاتبه المفضل) قد يضع هذا النقاش والجدل في إطار واقعي وعقلاني بعيداً عن العواطف والتمني، يقول سميل: «إن السيارات الكهربائية لن تكون وحدها قادرة على حل مشكلة المناخ، وإن السيارات التي تسير بالوقود ستظل خياراً أكثر جدوى ومفيداً اقتصادياً، وعليه يجب العمل على ذلك بحذر».
الضغط الهائل على شركات تصنيع السيارات الكهربائية لتحسين مستوى البطاريات، ورفع كميات إنتاجها، بالإضافة إلى تخفيض أسعارها بشكل جدي لجعلها أكثر انتشاراً بين الناس... هي تحديات مصيرية وعنق زجاجة محوري، إذا تم تجاوز ذلك ستحدث النقلة التي يراهن عليها.
وقبل حدوث ذلك سيبقى المهتمون بصناعة السيارات عموماً يراقبون ويحللون تطور صناعة السيارات الكهربائية واقتصاداتها، وبالتالي معرفة إذا ما كان رهان «تويوتا» وقرار انسحاب «أبل» صائباً وحكيماً. فترة مهمة في تاريخ التنقل والمواصلات ستحسمها الأيام القادمة، وأما عن تبعاتها فسيحكم عليها المستقبل.