مع اقتراب الاحتفال بأعياد الميلاد كيف يمكن لصرّة «بابا نويل» المشهورة، التي يحملها على ظهره، متنقلاً بها من مدينة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر، من احتواء وحمل هدايا متناقضة في عيد الميلاد لخصوم سياسيين، وإبهاجهم في وقت واحد؟
«بابا نويل» على سبيل المثال لا الحصر، حتى إن أراد، لن يكون قادراً على إرضاء رغبات رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك وخصومه في حزب المحافظين وفي حزب العمال في مرّة واحدة. أفضل هدية يتمناها السيد سوناك في عيد الميلاد من «بابا نويل» هي أن تتوقف قوارب المهاجرين القادمة من الضفة الفرنسية لبحر المانش، وأن يتمكن من إرسال المهاجرين إلى رواندا، كي يخلّص رقبته من قبضة اليمين المتطرف في حزبه، وترتفع أسهمه في استبيانات الرأي العام، ويدخل الانتخابات القادمة بحزب موحد، ويفوز. في حين أن خصومه في الحزب يتمنّون من «بابا نويل» أن يأتيهم بهدية مشتركة، تتمثل في تخليصهم من ريشي سوناك، ويبعث إليهم بزعيم جديد يقودهم إلى النصر في الانتخابات النيابية المقبلة. وهناك أيضاً هدايا أخرى على «بابا نويل» عدم تجاهلها، وضرورة توصيلها إلى الزعيم العمالي السير كير ستارمر، وتتناقض كلية مع كل الهدايا التي سيوصلها إلى السيد سوناك وخصومه في حزب المحافظين.
المهمة شاقة جداً، إن لم تكن مستحيلة. والجميع يعرفون ذلك، لكنهم، وهذا عجيب وغريب، يثقون جميعاً بأن «بابا نويل» لن يخيب ظنونهم!
الحال في بريطانيا لا تختلف عما يحدث في أميركا، حيث الصراع على أشُدّه بين الرئيس بايدن وخصومه في الكونغرس من الجمهوريين. الصراع وصل ذروته في الأسبوع الماضي، حين رفض الشيوخ الجمهوريون الموافقة على المساعدات العسكرية التي يريد الرئيس بايدن إرسالها إلى أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، وتقدر بنحو 106 مليارات دولار. الشيوخ الجمهوريون طالبوا الرئيس بأن يولي اهتمامه بضمان أمن الحدود مع المكسيك، لأنها أولى وأهم لأمن المواطن الأميركي، ولأنها كذلك ورقة رابحة في الانتخابات المقبلة. والأرجح، كما يقول معلقون، أن الرئيس بايدن سوف يصل إلى حلّ وسط مع الجمهوريين، يحقق لهم ما يريدونه مقابل الحصول على موافقتهم على إرسال المساعدات.
الرئيس جو بايدن، على بعد أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية، يتمنّى على «بابا نويل» أن يأتيه بهدية ميلادية تنقذه من الفخاخ المنصوبة له في الطريق، من قبل القضاء، في القضايا الجنائية المرفوعة ضد ابنه المتهم بالتهرب من دفع الضرائب، والتي في حالة ثبوت التهمة ضده من المحتمل أن تؤدي به إلى السجن سنوات طويلة. ويتمنّى كذلك على «بابا نويل» أن يأتيه بهدية عيد ميلاد أخرى تتمثل في إخراس الأصوات في حزبه المطالبة بعدم ترشحه للانتخابات بسبب كبر سنّه. وفي الوقت نفسه، يتمنّى على «بابا نويل» أن يوقع خصمه اللدود مرشح الجمهوريين المتوقع دونالد ترمب في مطب السجن، ولا يتمكن من الخروج منه نهائياً. لكن «بابا نويل» في الوقت نفسه ملزم أخلاقياً بالاستجابة إلى رغبات المرشح الجمهوري المتوقع دونالد ترمب، وإلى رغبات قادة حزبه وأنصارهم. وعليه محاولة وضع تلك الرغبات المتعارضة في صرّة واحدة، وتسليمها إلى أصحابها على اختلافهم وفي الوقت نفسه. وهي مهمة في رأيي أصعب من مهمة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هذه الأيام، وما يعانيه من خيبات كثيرة، تكاثرت عليه من الداخل والخارج، ليس أقلها فشل الهجوم العسكري المعاكس الذي كان يتوقع له أن يقلب موازين الحرب ضد روسيا. الأمر الذي أثار عليه حفيظة خصومه الأوكرانيين في الداخل، وحلفائه الغربيين؛ إذ بدأنا نقرأ تقارير إعلامية، في وسائل إعلام غربية حليفة، تنقل تصريحات لمسؤولين أوكرانيين يتهمونه بالاستبداد، لأنه أصدر قراراً بمنع إجراء الانتخابات الرئاسية في شهر مارس (آذار) المقبل، بسبب قانون الطوارئ الذي فرضته ظروف الحرب. وظهرت تقارير إعلامية أخرى تتحدث عن صراع سياسي بينه وبين رئيس الجيش، وأن استبيانات الرأي العام في أوكرانيا تؤكد ارتفاع شعبية الجنرال العسكري بنسبة كبيرة لافتة على حساب الرئيس بريجنسكي. وكل ذلك يحدث، في وقت يعاني فيه الجيش من نقص في العتاد والذخيرة والقوات، ثم جاء منع الجمهوريين في أميركا موافقتهم للمساعدات العسكرية المنشودة. أضف إلى ذلك ضعف وبطء استجابة الحلفاء في بروكسل لتقديم يد العون. ومن المحقق أن «بابا نويل» سيتردد كثيراً في تحقيق رغبات الرئيس بريجنسكي من الهدايا المتمناة في عيد الميلاد؛ ذلك أن «بابا نويل»، منذ أن ظهر إلى الوجود، في الخيال الديني المسيحي، أسندت إليه مهمة جميلة ونبيلة، وهي إدخال البهجة على قلوب الناس في عيد الميلاد المجيد. لكن جمال ونبل تلك المهمة لا يعنيان أنها قابلة للتحقق كل الأوقات، خصوصاً للقادة السياسيين. وربما تؤدي صعوبتها هذه الأيام إلى تجاهل «بابا نويل» لرغباتهم، عقاباً لهم على ما يرتكبونه من أعمال، وما يفرضونه من سياسات، وما يسببون لشعوبهم من أزمات وآلام.