لطالما التزم باراك أوباما بسياسة متسقة إزاء سوريا. ومنذ أيام عملي في الإدارة، أوضح الرئيس الأميركي بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يريد الانجرار إلى الصراع الدائر هناك، إذ كان الإرث العراقي يلقي بظلال كثيفة عليه. لقد انتخب أوباما لكي يخرجنا من حروب الشرق الأوسط، وليس لكي يجرنا إليها. إنه لن يتورط في «الحرب الأهلية الخاصة بطرف آخر».
لكن ماذا لو أسفرت تلك الحرب الأهلية عن كارثة إنسانية؟ ماذا لو أنتجت أزمة لاجئين ضخمة؟ ماذا لو هددت بزعزعة استقرار الدول المجاورة؟ ماذا لو أدت إلى صعود جماعة مثل «داعش»؟ هذه التساؤلات لم يتم أخذها في الحسبان، لأن الخوف من الانجرار إلى مستنقع آخر كان هائلاً جدًا. إن كلفة العمل هي ما تحدد دائمًا نهج الإدارة وليست كلفة الامتناع عن العمل.
لقد دأب أوباما على تحدي الذين يدفعون بأن الإيرانيين أو الروس يحققون المكاسب في سوريا، فيما ينشطون هناك، بينما نكتفي نحن بأقل القليل. وسبق أن قال في مارس (آذار) 2014 «أشعر دائمًا بتسلية ممزوجة بالحزن إزاء فكرة أن إيران فازت على نحو أو بآخر في سوريا.. صديقهم الوحيد في العالم العربي.. الذي صار الآن ركامًا. إنه يستنزفهم لأنهم مضطرون إلى إرسال مليارات الدولارات إلى هناك..».
وبعد مرور 18 شهرًا، لا يعتقد أوباما أن ثمة تغيرا هناك. وفي مؤتمر صحافي عقده مؤخرا، قال الرئيس الأميركي إن «محاولة روسيا وإيران شد أزر (الرئيس السوري بشار الأسد) وتحييد الشعب، سوف تفضي بهم إلى أن يعلقوا في مستنقع، ولن تحقق أي نجاح». ربما، لكن يبدو أن الروس والإيرانيين لديهم تصور مختلف تمامًا: إنهم لا يحاولون تحييد الشعب، ولكنهم يحاولون ضمان احتفاظ الديكتاتور الأسد بدويلة تسيطر على دمشق، وتظل متصلة بلبنان والبحر الأبيض المتوسط، ولكي - إذا ما نشأت في مرحلة ما عملية سياسية لإنهاء الصراع - تحفظ الحقائق على الأرض مصالحهم، وتضمن أن يكونوا الحكام على أي نتيجة تسفر عنها.
إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعرف جيدًا كيف يملأ فراغًا قائمًا. كما أن الإيرانيين خبراء في استغلال الوكلاء للحفاظ على وضعهم في سوريا والطريق إلى لبنان - حتى بينما يضعفون السلطة المركزية في العراق. مما لا شك فيه أن بوتين وسليماني رأيا أن هناك حاجة ماسة إلى التدخل العسكري لدعم موقف الأسد الضعيف، وتوجيه انتكاسة إلى المعارضة غير الداعشية التي كانت تحقق مكاسب في شمال وجنوب سوريا.
ولا يعتقد الروس أو الإيرانيون أنهم يخسرون في المنطقة، وكذلك أيضا الإسرائيليون والمصريون والسعوديون والأتراك والقطريون أو الإماراتيون. ربما لا يعجبهم جميعًا ما تفعله روسيا، لكنهم يدركون الحاجة إلى التعاطي معهم. لكن إذا كانت ردة فعلنا إزاء ما يفعله الروس والإيرانيون في سوريا، ستكون قاصرة على تعزيز هجماتنا على «داعش»، وهو ما يبدو أننا مقبلون عليه، فإننا سنكون في واقع الأمر نلعب لصالحهم. وسيواصلون مهاجمة المعارضة غير الداعشية، بينما نستهدف نحن الجماعة الإرهابية، لنبدو للأسف، وكأننا في حلف معهم».
وبينما قد يحق للرئيس أن يشعر بالأسف إزاء الأفكار «غير الناضجة» التي يسمعها كبديل للنهج الحالي، ينبغي أيضًا أن يحذر من الاستمرار في تنفيذ أنصاف الحلول. وفي هذا الإطار، نطرح فكرة ترتكز على تقاسم الأعباء - وهو أمر مهم بالنسبة إلى أوباما - لكنها أيضًا تسترشد بمنطق القوة الذي يتبناه بوتين. فلنقصد بكل هدوء الأتراك والسعوديين والقطريين والأوروبيين، ونقول لهم إن الوقت قد حان لإنشاء ملاذ آمن حقيقي على طول الحدود التركية السورية. لقد كان الأتراك والبلدان الخليجية ينادون بذلك، بينما يحتاج إليه الأوروبيون لكي يوقفوا تدفق اللاجئين عليهم. وضح أننا سوف نقوم بدورنا في تفعيل منطقة «حظر الطيران»، على أن تشارك أوروبا بقواتها الجوية، وتوافق تركيا على حراسة المنطقة على الأرض لمنع تسلل أي عناصر من «داعش». وعندما توافق جميع الأطراف على الخطة ونتمكن من وضع بنودها، سنمضي قدمًا في التنفيذ، وحينئذ يمكن للرئيس أوباما أن يبلغ بوتين باللغة التي يفهمها قائلاً: لا تحاول اختبار الملاذ الأمن.
وهكذا إذا كنا نريد أن نؤثر في المسلك الإيراني والروسي في سوريا، علينا أن نبدأ اللعب وفق القواعد التي يفهمها كلاهما. وما يثير السخرية في نهاية المطاف، أن ذلك قد يقنع آخرين بأن يحذوا حذونا، ويزيد من فرص تحقيق الحل السياسي الذي نبتغيه.
* خدمة: «واشنطن بوست»
9:3 دقيقه
TT
ملاذ آمن
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة