نحن نخدع على مدار الساعة. وقد استخدم الإنسان الخدعة للنجاة أو لكسب الجولة. ولكل مبرراته التي يعدّها وجيهة.
فقد خدع الرئيس بوش الابن العالم حينما قال إن العراق يمتلك أسلحة للدمار الشامل بناءً على معلومات استخباراتية ليبرر حربه عام 2003. وخدعت كتيبة عسكرية أوروبية الألمان في أعقاب إنزال النورماندي في الحرب العالمية، حيث أوهموهم أن قوام قواتهم 30 ألف جندي بتوزيعهم جغرافياً بطريقة احترافية. وربما كان رمز الخداع على مر التاريخ أسطورة «حصان طرواة» الذي قدمه الإغريق هديةً خشبيةً عملاقةً لمدينة طروادة، حيث كان يزن ثلاثة أطنان. أعجب به سكان المدينة، ولما جنى الليل طاب لأهلها إدخاله إلى قلب مدينتهم، ثم سرعان ما قفز منه أشرس المقاتلين الإغريق القابعين في جوفه ليعيثوا في المدينة فساداً.
وانتشرت حركة فنية في ستينات القرن الماضي بعنوان «الحيل البصرية»، منها ما ابتكر على شكل شباك تمويه لإخفاء الخنادق، وجذع الشجرة الزائف ليعمل برجَ مراقبة، والكمائن الحربية بأشكالها. وَصَدَمَ الجيش المصري الكيان الإسرائيلي في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 بهدمه خط بارليف عندما اقترح مهندس مصري تدمير الساتر الترابي العملاق بقوة دفع خراطيم المياه، الذي كان يبلغ ارتفاعه نحو 20 متراً على ضفاف شبه جزيرة سيناء. جاءت تلك الحيلة من بنات أفكار اللواء المهندس باقي زكي يوسف لينقذ أرواح آلاف المصريين.
وقد خدع بيرني مادوف المستثمرين باستخدام مخطط «بونزي»، وهو نظام استثماري احتيالي يدفع عائدات للمستثمرين القدامى من رؤوس أموال المستثمرين الجدد، متظاهراً بتحقيق أرباح غير موجودة.
وتخدع الشركات عملاءها حينما تحشو منتجاتها ومشروباتها بكميات تقل عن سعة العبوة. وقد رفع محامون حول العالم قضايا عدة بحجة التضليل في أحجام المنتج المليئة بالمساحات الفارغة التي تزعم الشركات أنها ضرورية (functional) لحماية «المقرمشات» أو البطاطس من التكسر وما شابه من اعتبارات فنية للتصنيع الآلي. ولهذا تبالغ المصانع في حجم عبوة الأدوية بحجة أنها تتطلب مساحة كبيرة لقراءة التعليمات، لكنها قد تكون حيلة تسويقية لتضخيم حجم المنتج على الأرفف. ولذلك فإن إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد حددت تعريفاً دقيقاً للمساحة الفارغة في العبوة (slack fill) يصعب التلاعب به.
وصرنا في عصر ينخدع فيه حتى المتخصص نفسه. إذ استضافت محطة تلفزيونية أجنبية عالم الفلك ديف كينيدي للحديث عن اكتشافه الفريد لحفرة على شاطئ بورتمارنوك في مقاطعة دبلن باعتباره سبقاً علمياً، حيث فسر تلك الحفرة الدائرية على ساحل البحر بأنها لنيزك فريد ارتطم بسطح الأرض. ثم خرج شابان كانا قد حفرا تلك الحفرة يدوياً في عطلة نهاية الأسبوع وهما يضحكان من هول الصدمة والمبالغات الإعلامية التي صارت تنطلي على المختصين أنفسهم.
وسيكون الخداع هائلاً ويصعب التنبؤ به في عصر الذكاء الاصطناعي، فصرنا ننخدع بتحرك شفاه الشخصيات العامة نفسها، وهي تزف إلينا شائعة من وحي خيال ناشرها. الفارق أن خدع الماضي كانت تمكث ردحاً من الزمن، لكن في عالم الانفتاح الإعلامي صار عمر الخدعة قصيراً ومثيراً للسخرية أحياناً.