اعتمد صابر أحمد نايل في كتابه «العلمانية في مصر بين الصراع الديني والسياسي 1900 - 1950» المطبوع عام 1997، في حديثه عن رسالة منصور فهمي للدكتوراه على المصادر التالية...
- كتاب رابح لطفي جمعة عن أبيه محمد لطفي جمعة، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1975.
- مقدمة لعدد خاص في ذكرى منصور فهمي، منشورة بمجلة كلية الآداب - المجلد التاسع - الجزء الثاني - ديسمبر (كانون الأول) 1927، كتبها أحمد فؤاد الأهواني. واستكمالاً لمعلومة ناقصة في هذه الإحالة، أذكر أن الجامعة الصادرة عنها تلك المجلة هي جامعة القاهرة. وتصحيحاً لتصحيفين طباعيين واردين فيها، أشير إلى أن المجلد رقمه هو التاسع عشر، وليس التاسع، وإلى أن تاريخ صدور الجزء الثاني منه هو ديسمبر 1957، وليس ديسمبر 1927.
- إبراهيم مدكور؛ مقدمة كتابه «أبحاث وخطرات» لمنصور فهمي، الهيئة المصرية العامة، 1973.
هذه الإحالة يفترض أن يصوغها على النحو الآتي: إبراهيم مدكور، مقدمة كتاب «أبحاث وخطرات» لمنصور فهمي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973.
في متن حديثه عن منصور فهمي كان قد أكّد على أن لمنصور فهمي كتاباً وحيداً اسمه «خطرات نفس»، ثم يفاجئك في صفحات الإحالات بأن له كتاباً آخر، في اسمه شبه من اسم كتابه الوحيد! والأعجب أنه صادر بعد وفاته بـ14 عاماً! لرفع هذا الالتباس، أقول موضحاً...
كتابه «خطرات نفس» هو مجموعة مقالات كتبها بين عامي 1915 و1930 ثم جمعها وأصدرها في كتاب عام 1930.
أما كتابه «أبحاث وخطرات»، فهو مجموعة من المقالات والأبحاث والمحاضرات والخطب والأحاديث الإذاعية، جمعت وأصدرت في كتاب عام 1973. وقد قدم للكتاب كل من: محمود تيمور، محمد توفيق دياب، إبراهيم بيومي مدكور، أحمد فؤاد الأهواني. مقدمة محمود تيمور مستلة من كتابه «ملامح وغضون... صور خاطفة لشخصيات لامعة». وهذا الكتاب صادر عام 1950. ومقدمة محمد توفيق دياب هي كلمة كان قد ألقاها في حفل تأبين منصور فهمي المتوفى بتاريخ 25 مارس (آذار) 1959. ومقدمة إبراهيم بيومي مدكور هي كلمة كان قد ألقاها في الجلسة العلنية للمجلس في المجمع اللغوي «الدورة الخامسة والعشرون» بتاريخ 11 مايو (أيار) 1959. أما مقدمة أحمد فؤاد الأهواني فقد تقدم ذكر مصدرها الأصلي.
وكما نرى، فنحن أمام أكثر من مقدمة، ولسنا أمام مقدمة واحدة كتبها إبراهيم بيومي مدكور. وهذه المقدمات كتبت في مناسبات مختلفة، وكتبت قبل سنوات عدة من صدور كتاب «أبحاث وخطرات». والمعلومات المتعلقة بتواريخها ومناسباتها ومصادرها - فيما عدا تاريخ صدور كتاب محمود تيمور - نقلتها من هذا الكتاب.
أفاد جامع أو جامعو مواد كتاب «أبحاث وخطرات» الباحثون بضم تلك المقدمات إلى هذا الكتاب، بحيث يقرءونها في كتاب واحد. والباحث في حياة منصور فهمي الأكاديمية والفكرية لا يستغني عن الرجوع إلى مقدمتي إبراهيم بيومي مدكور وأحمد فؤاد الأهواني.
سألت نفسي؛ لماذا حين عاد صابر أحمد نايل إلى عدد مجلة كلية الآداب المخصص لذكرى منصور فهمي اكتفى بالاستعانة بمقدمة أحمد فؤاد الأهواني التي هي معاد نشرها في كتاب «أبحاث وخطرات»، ولم يستعن بأبحاث أخرى عنه في هذا العدد؟! كما أن هناك استشكالاً نشأ عندي حول دقة التاريخ، فالعدد المخصص لذكرى منصور فهمي يرجع تاريخه إلى ديسمبر من عام 1957، والرجل توفى بعد هذا التاريخ بـ3 أشهر! لحل هذه وتلك في ذهني وفي فهمي عدت إلى العدد المذكور. فماذا اكتشفت؟
اكتشفت أن ما له صلة بمنصور فهمي في هذا العدد مقالة كتبها عنه تلميذه أحمد فؤاد الأهواني، و9 مقالات له عن علم الجمال، ومقالة له عن المجتمع العربي في أبرز مقوماته، وأخرى عن حفيده. إضافة إلى كلمة المحرر التي أبّن فيها رحيل منصور فهمي بوصفه من أقدم أبناء كلية الآداب في الجامعة المصرية الأهلية.
واكتشفت أن المجلة تصدر مرتين في السنة، مرة في شهر مايو، ومرة في شهر ديسمبر. فعرفت أن الأبحاث المعدة للنشر في شهر ديسمبر من عام 1957، كانت معدة للنشر قبل وفاته بما يزيد عن العام بأشهر. وفي الأعوام التي ينتظر العدد فيها طبعه، توفي منصور فهمي. فكتب تلميذه لهذا العدد مقالة عنه، واختيرت له 11 مقالة لنشرها فيه. واكتشفت أن هذا العدد - كما هو مبين على غلافه الأول - صدر عام 1961.
إن صابر أحمد نايل كان في غنية عن العودة إلى هذا المصدر، لأن المادة المتوفرة فيه، هي - كما أسلفت - معاد نشرها في كتاب «أبحاث وخطرات». وما عودته إليه إلا ضرب من التزيد يكتنفه شيء من التضليل الشكلي للباحثين.
- كتاب محمد سيد كيلاني «فصول ممتعة»، المطبوع عام 1959.
- مذكرات طه حسين الصادرة في دار الآداب، بيروت، عام 1967. وهي التي نشرها طه حسين في دار المعارف بالقاهرة عام 1972، على أنها الجزء الثالث من سيرته الشهيرة «الأيام». وحذفت من هذه الطبعة عناوين الفصول، لأنه ليس هو من وضعها، فالذي وضعها هو سهيل إدريس صاحب دار الآداب.
أغفل صابر أحمد نايل مصادر أخرى، هي في غاية الأهمية. وسأذكر أسماءها بحسب تعاقب أعوام صدورها.
«المرايا» لنجيب محفوظ. هذا العمل الذي اختلف دارسون عرب ودارسون أجانب حول تحديد جنسه الأدبي «هل هو رواية، أم رواية تسجيلية، أم تراجم لرجال عرفهم ولنساء عرفهن، أم مذكرات شخصية»، نشر أولاً، في حلقات مسلسلة في مجلة «الإذاعة والتلفزيون» عام 1971، حين كان رجاء النقاش رئيس تحريرها. ثم نشر ثانياً في كتاب صدر في بيروت والقاهرة عام 1972.
الشخصية الأولى في هذا العمل الأدبي - بحسب الترتيب الأبجدي الذي اتبعه نجيب محفوظ - هي شخصية إبراهيم عقل. وإبراهيم عقل قصد به أستاذه في كلية الآداب - قسم الفلسفة بالجامعة المصرية في أول الثلاثينات الميلادية من القرن الماضي، منصور فهمي.
بدأ حديثه عن هذه الشخصية بقوله: «سمعت أول ما سمعت عن الدكتور إبراهيم عقل في مقالة للأستاذ سالم جبر، لا فكرة لديّ الآن عن موضوع المقالة، ولكنه ذكر في سياقها الدكتور إبراهيم عقل، باعتباره عقلاً فذاً، بشّر في وقت ما بثورة فكرية في حياتنا الثقافية، لولا وشاية حقيرة أجهضته قبل أن يقف على قدميه، رددها شخص لا أخلاق له، زاعماً أنه - الدكتور إبراهيم - طعن في الإسلام ضمن رسالة الدكتوراه التي قدمها للسوربون. وشنّ على الدكتور هجوماً نارياً في عدد من الصحف والمجلات، فاتهموه بالإلحاد، وتبني آراء المستشرقين المبشرين لنيل الدكتوراه على حساب دينه وقومه، ثم طالبوا بفصله من الجامعة. واهتز الدكتور من جذوره حيال الحملة العاتية، ولم يكن ذا طبيعة مقاتلة ولا قبل له بتحدي الرأي العام، فضلاً عن حرصه على وظيفته وشدة حاجته إليه، فأنكر التهمة، ودافع عن عقيدته، وتوسل بكثيرين - على رأسهم صديقه وزميله في هيئة التدريس الدكتور ماهر عبد الكريم - لإخماد الفتنة واسترضاء مؤججيها. ولما التحقت بالجامعة عام 1930 وجدته أستاذاً مساعداً بها. والظاهر أن المحنة علمته كيف يركز نشاطه في دروسه الجامعية، وينسحب من الحياة الفكرية خارج جدران الكلية. ولاحظنا أن همته يطويها الفتور والملال، وأن دروسه أقرب إلى التوجيهات العامة منها إلى المحاضرات الدسمة التي يلقيها علينا زملاؤه، رغم ما تمتع به من صحة وحيوية، ونضج تربّع فوق الأربعين من العمر. وما لبث أن انقلب في مجالسنا نادرة ودعابة».
سالم جبر اسم مستعار وضعه نجيب محفوظ لأستاذ مؤثر في اهتماماته واتجاهاته منذ أن كان طالباً في مرحلة الدراسة الثانوية، هو سلامة موسى. والدكتور ماهر عبد الكريم هو اسم مستعار وضعه لأستاذه الجامعي في قسم الفلسفة، الدكتور مصطفى عبد الرازق. أما الشخص الذي لا أخلاق له، فيعني به محمد لطفي جمعة!!!
وللتمييز بين المتخيل والحقيقي فيما سرده نجيب محفوظ، أشير إلى أن سلامة موسى لم يكتب مقالة كتلك عن منصور فهمي، فقوله هذا مجرد تخييل أدبي. محمد لطفي جمعة هاجم دينياً رسالة منصور فهمي للدكتوراه في مقالة واحدة وفي صحيفة واحدة، هي صحيفة «المؤيد». وخبر وشايته الحقيرة بمنصور فهمي هو كذلك تخييل أدبي ليسوّغ فنياً وفكرياً - استناداً إلى حبكته الروائية - نزع الأخلاق عنه. الطريف أنه بعد عقد ونيّف في مقالة لكاتب فرنسي من أصل جزائري كتبها في مجلة يصدرها باللغة الفرنسية، تلقى خبر الوشاية الحقيرة على أنه حقيقة مجردة لا تخييلاً أدبياً. وسأذكر اسمه واسم مجلته حين نصل إلى العام الذي نشر فيه مقاله. وللحديث بقية.