أظهرت العلاقات بين القوى الكبرى وأفريقيا وجود تقسيم جيوسياسي بينها تتنافس فيه روسيا والصين، أمام الدول الغربية وترى الدول الغربية الرئيسية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وجود منافسين لها في القارة!
وبين سباق القوى الكبرى في أفريقيا ظهرت تركيا كطرف ثالث تسعى هي أيضاً بدورها إلى التغلغل في القارة الأفريقية.
هذه الأطراف الثلاثة في سباق تنافسها يسعى البعض منها إلى استعادة أمجاده التاريخية كقوى عظمى. والبعض الآخر يهدف إلى توسيع نطاق نفوذه من المحيط الإقليمي المباشر له إلى آفاق أوسع تتيح له أن يصبح قوة دولية كبرى!
والسؤال هنا: ماذا عن العرب والدول العربية تحديداً، هل هي فعلاً تراخت أم تراجع اهتمامها بأفريقيا السمراء؟
منذ أيام قليلة انتهت القمة الروسية - الأفريقية الثانية التي انعقدت في مدينة سانت بطرسبرغ في الفترة من 27 إلى 28 يوليو (تموز) الماضي.
والصين، القطب الآخر لمعسكر القوى المنافسة للغرب، اهتمّت كثيراً بتنمية علاقاتها بأفريقيا منذ عام 2000، وتطورت بشكل أكبر منذ إطلاق مبادرة «الحزام والطريق» في عام 2013.
وفي المعسكر الغربي المقابل استضافت الولايات المتحدة في 13 - 15 ديسمبر (كانون الأول) 2022 قمة أفريقية - أميركية دُعي إلى انعقادها الرئيس جو بايدن. وفي فرنسا الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو خليفة الجنرال شارل ديغول كان له السبق في إعداد مؤتمرات قمة بين فرنسا وأفريقيا عُقد أولها في باريس عام 1973، استمر بعده بقية رؤساء فرنسا في عقد قمم مع قادة أفريقيا اقتصر بعضها على مستعمراتها السابقة، الدول الفرنكوفونية، وشملت قمم أخرى لقاءات مع زعماء جميع الدول الأفريقية.
وعلى مستوى العلاقات التركية - الأفريقية انعقد مؤتمر القمة الثالث في ديسمبر (كانون الأول) 2021 في إسطنبول برئاسة الرئيس طيب إردوغان تحت شعار «تعزيز الشراكة من أجل التنمية والازدهار المشترك». وتعد تلك القمة الثالثة من نوعها، حيث عُقدت القمة الأولى للشراكة التركية - الأفريقية في إسطنبول عام 2008، والثانية في مالابو (عاصمة غينيا الاستوائية) عام 2014.
وأوضح إردوغان في كلمته في القمة الأخيرة أن تركيا فتحت صفحة جديدة في العلاقات مع القارة السمراء من خلال إعلان 2005 عام أفريقيا، وأن تركيا أصبحت شريكاً استراتيجياً للاتحاد الأفريقي في 2008، ورفعت حجم التبادل التجاري من 5.4 مليارات الدولار إلى 25.3 مليار دولار عام 2020. وأضاف أن حجم التبادل التجاري التركي - الأفريقي بلغ 30 مليار دولار في أول 11 شهراً من 2021، ووصل حجم الاستثمارات التركية إلى 6 مليارات دولار في عموم القارة.
يعمد المرء هنا إلى إعطاء تفاصيل أكثر عن التعاون التركي - الأفريقي ليبيّن كيف وتركيا لاعب جديد استطاعت تنمية علاقاتها مع القارة السمراء، في حين أن عناصر التقارب والتعاون بين العرب ودول أفريقيا لا تتوفر مع القوى الأخرى، ونوهت إلى ذلك في عدة مقالات في هذه الصحيفة تحت عنوان: «دعوة لتفعيل العلاقات العربية - الأفريقية». وقد يتساءل البعض هنا: لماذا ميّزت بين العرب والدول العربية؟ السبب بسيط والهدف منه الإشارة إلى الهجرات العربية إلى بعض الدول الأفريقية واختلاطهم مع السكان المحليين، خصوصاً على مستوى هجرات الحضارمة واليمنيين في القرن الأفريقي في إثيوبيا، وإريتريا، والصومال، وجيبوتي، وجزر القمر. والدول الثلاث الأخيرة تتميز بعضويتها المشتركة في جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، فضلاً عن دور الإسلام ووجود قطاع واسع من شعوب القارة الأفريقية في غالبيتهم مسلمون مثل نيجيريا، وتشاد، والسنغال... إلخ. بمعنى آخر وجود تلك الهجرات في أفريقيا السمراء واختلاطهم مع السكان المحليين عنصر مهم في التقارب بينهم وبين الدول العربية.
وإن صادف توتر في العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول، فإن تلك المجموعات العربية المهاجرة توفر دوام استمرارية علاقات الأخوة والصداقة بين الشعوب العربية والأفريقية.
والعامل الجغرافي قد يلعب دوراً في تفسير التقارب والتضامن أو التباعد والصراعات في العلاقات الدولية والولوج من النفوذ الإقليمي إلى القمة الدولية. فروسيا الاتحادية، أو الاتحاد السوفياتي سابقاً، توسعت واهتمت بجوارها الجغرافي في أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطي. والولايات المتحدة والغرب بصفة عامة بسطت نفوذها وتوسعت حول محيطها الجغرافي لتنطلق بعد ذلك من الإقليمية إلى الدولية. وكذلك الصين في علاقتها مع جوارها الجغرافي من دول جنوب وشرق آسيا. انطلق لاحقاً توجههم نحو القارة الأفريقية. والدول العربية التي يوجد بعضها في المحيطين العربي والأفريقي، ولديها عضوية مشتركة في كلا التنظيمين الإقليميين؛ في جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، تجمعها الجغرافيا، والممرات المائية المهمة مثل مضيق جبل طارق، وقناة السويس، ومضيق باب المندب، ونهر النيل. ناهيك بدور بعض رموز الزعامات العربية في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في الستينات (جمال عبد الناصر) والاتحاد الأفريقي (معمر القذافي)، وحركة عدم الانحياز التي كان من زعمائها في أفريقيا جمال عبد الناصر وكوامي نكروما، رئيس غانا. تلك المحددات لم تصنع فارقاً يؤدي إلى بلورة العلاقات العربية - الأفريقية لتشكل كتلة دولية مؤثرة في العلاقات الدولية؟ ما أسباب ذلك الإخفاق؟ وما العمل؟
وللحديث بقية.