إذا كانت الأخبار دقيقة عن أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) يحقق مع روبرت مالي الذي عمل مبعوثاً خاصاً للرئيس جو بايدن إلى إيران، بشأن التعامل مع المعلومات السرية، فإن هذا يعني أننا أمام قنبلة سياسية من العيار الثقيل.
وليس سراً أن مواقف مالي من الملف الإيراني كانت تتسم بالليونة المفرطة، وسبق أن كتبت عنه هنا في 27 يناير (كانون الثاني) 2022، وتحت عنوان «الحاج مالي»، وهو اللقب الذي يطلق عليه في واشنطن.
ما سمعته مطولاً من مصادر بالمنطقة، أو أوروبا، ومطلعين بواشنطن، دائما ما يؤكد تساهل مالي حيال الملف الإيراني، ولا أقول هذا اتهاماً له، بقدر ما أنه توصيف لدوافع آيديولوجية تتساهل مع طهران وما فعلته وتفعله، ومنذ فترة الرئيس أوباما.
ولذا، فإن المعلومات عن التحقيق معه حول «معلومات سرية»، وقبلها تأكيده بنفسه، الأسبوع الماضي، أنه قد تم منحه إجازة غير مدفوعة الأجر، كما تم تعليق تصريحه الأمني بوقت سابق من هذا العام، كل ذلك يظهر أن هناك أمراً ما، جاداً.
والتحقيق مع مالي الآن، وقبلها قصة شركة «فاغنر» في روسيا، التي سارت قواتها العسكرية إلى موسكو في مشهد غير مسبوق، كلها تقول لنا أمراً مهماً، وهو أن لا شيء يعوض العمل المؤسساتي، سواء في موسكو أو واشنطن.
هنا قد يقول القارئ: وما علاقة هذا بذاك؟ في موسكو تمت الاستعانة بقوات غير نظامية لتقوم مقام الجيش، وثبتت خطورة ذلك. وفي واشنطن كُلف دبلوماسي مؤدلج يريد إنجاز اتفاق مع إيران بالملف الإيراني، وبأي ثمن، وهذا أمر يخالف نهج المؤسسات، ورجالها.
وفي حال ثبوت أخطاء حقيقية في ملف مالي، وخصوصاً المعلومات السرية، فإن تلك ستعد ضربة حقيقية، بل قنبلة، بحق التيار الإيراني بواشنطن، وهو تيار ينطلق من مواقف آيديولوجية، وليست سياسية.
والتيار الإيراني بواشنطن لا تخطئه العين من إعلاميين وأكاديميين وساسة قوت شوكتهم إبان فترة الرئيس الأسبق أوباما، وباتوا أكثر جرأة، ولا يخفون مواقفهم المبررة لإيران وأفعالها، رغم كل الخطر الذي تشكله إيران بالمنطقة، وبعدها أوكرانيا.
وعليه، فإن الأسئلة اليوم أكثر من الأجوبة حول قصة التحقيق مع مالي، الذي أبعد عن الملف الإيراني وتم تكليف أبرام بالي للعمل مبعوثا خاصا بالإنابة لإيران. ففي حال تم ثبوت أي اختراقات فكيف سيكون مستقبل التفاوض حيال الملف النووي الإيراني؟
هل تتعثر المفاوضات، وبالتالي تزداد فرص المواجهة العسكرية بالمنطقة؟ وعندما نقول إن التحقيق مع مالي، وفي حال ثبوت أخطاء مؤثرة، يعد قنبلة سياسية فهذه ليست مبالغة إطلاقاً، خصوصاً مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية.
والأميركيون يعترفون بأن طهران تقترب من العتبة النووية، ما سيشكل مزيداً من الضغوط على جميع الأطراف المعنية بأزمة الملف النووي الإيراني، ولا نعلم إلى أين ستقود تلك التحقيقات، خصوصاً أن تدخل (إف بي آي) يعني أن الأمر جاد.
لذلك؛ نحن على مشارف قصة مذهلة، بل قنبلة سياسية، في حال ثبت ارتكاب أخطاء حقيقية.