فجأة صُدم العالم بنفير الغواصات النووية في المحيطات وتحذيرات من «سباق تسلح بحري في أعماق الظلمات السبع». (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها....) (سورة النور). والبحر اللجي هو الشديد الظلمة والعمق.
عندما سمع البروفيسور شرايدر، وهو من أكبر علماء البحار في ألمانيا، ما ورد في «سورة النور»، قال: «إن هذا لا يمكن أن يكون كلام بشر». وكان هذا البروفيسور يزعم أنه «إذا تقدم العلم فلا بُدّ أن يتراجع الدين»!
وحذّرت على الفور الوكالة الدولية للطاقة النووية من «مخاطر انتشار نووي» مع برنامج الغواصات العاملة بالدفع النووي الذي أطلقته الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في اجتماع عُقد في القاعدة البحرية الأميركية في ساحل مدينة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا.
وعلّق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قائلاً: «إن العالم الأنغلو ساكسوني يبني تكتلات ويطور البنى التحتية لحلف شمال الأطلسي في آسيا لمواجهة جدية تستمر سنوات طويلة».
تمتلك حالياً ست دول غواصات نووية هي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين الشعبية والهند، أما الدول التي تمتلك غواصات حربية غير نووية فهي بحدود 34 دولة؛ بينها مصر والجزائر. وتحتل الصين المركز العالمي الأول بعدد الغواصات وهو 79 غواصة، تليها الولايات المتحدة 68 غواصة، ثم روسيا 64 غواصة تقليدية ونووية، وكوريا الشمالية 36 غواصة عادية، فإيران 29 غواصة، فكوريا الجنوبية 22، ثم اليابان 20، والهند 17 غواصة، والجزائر 16، وتركيا 12 غواصة، وكولومبيا 11 غواصة. ولا توجد معلومات دقيقة عن أعداد الغواصات الإسرائيلية والمصرية. ووردت معلومات من وكالة سبوتنيك الروسية غير موثقة عن الفلبين وإندونيسيا وفيتنام وتايوان وبنغلاديش وميانمار وباكستان وسنغافورة، إلا أنها دون أرقام.
تقول أوراق الحرب العالمية الأولى إن الغواصات لم تُختبر بما فيه الكفاية، إلا أن الغواصات الألمانية في المحيط الأطلسي سعت إلى مهاجمة قوافل الحلفاء. وكانت الغواصات البريطانية نشطة أيضاً، خاصة في البحر الأبيض المتوسط ومقابل ساحل النرويج ضد سفن وغواصات المحور الحربية وسفن الشحن التجاري.
بعد شهر واحد من اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند يوم 28 يونيو (حزيران) 1914 غاصت القارة الأوروبية بأهوال الحرب المفتوحة التي استمرت أكثر من أربع سنوات مخلفة أكثر من 20 مليون ضحية، واستُخدمت فيها أسلحة جديدة أكثر دموية من السابق مثل الدبابات والغاز الكيماوي وقاذفات اللهب. وابتكر البريطانيون نوعاً من السفن لمواجهة الغواصات الألمانية في المحيط الأطلسي، اعتمدت على الخداع والتمويه لجذب الغواصات المعادية وتدميرها.
وبسبب الخسائر المادية والبشرية التي خلفتها حروب الغواصات تمّت عقب الحرب العالمية الأولى محاولات لحظر استخدام الغواصات في النزاعات العسكرية، إلا أنها فشلت. لكن تم في عام 1930 توقيع القوى الدولية على معاهدة لندن البحرية التي فرضت قوانين صارمة حول كيفية تعامل الغواصات مع السفن التجارية والمدنية خلال الحروب. وفي الحرب العالمية الثانية تم تقسيم حرب الغواصات إلى منطقتين رئيسيتين: المحيط الأطلسي والمحيط الهادي. كما أن البحر الأبيض المتوسط كان منطقة نشطة للغاية لعمليات الغواصات.
في وقت مبكر أنتجت روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا أفلاماً سينمائية ناجحة عن حروب الغواصات؛ منها الفيلم الأميركي «العدو في الأسفل» من بطولة روبرت ميتشوم، ونال في عام 1958 جائزة الأوسكار لأفضل مؤثرات بصرية. وكذلك فيلم «تشغيل عميق» الأميركي من بطولة كلارك جيبيل، وأفلام أخرى من هذا القبيل المثير.
ومن الأخبار الحربية غير المألوفة عثور البحرية التركية على حطام غواصة ألمانية غرقت قبل 75 عاماً في مياه البحر الأسود، وقيل إنها كانت «غواصة هتلر»، إلا أن هذا غير صحيح؛ لأن هتلر لم يكن يركب الغواصات أو السفن الحربية. والصحيح أن الحلفاء أطلقوا هذه التسمية على كل أسطول الغواصات حينما عثروا على غواصات ألمانية والثأر منها في البحر الأسود.
وفي هذا الصدد يمكن القول إن السفينة الحربية الشراعية «المحمودية»؛ نسبة إلى السلطان العثماني محمود الثاني امتازت باحتوائها على 128 مدفعاً موزعة على ثلاثة طوابق، وكان عدد بحّارتها 1280 بحاراً. وتم تفكيكها في عام 1874 كقطع ليتم بيعها ودفع ثمنها رواتب لضباط البحرية العثمانية، وبذلك انتهى ذلك المشهد التاريخي.
منذ عام 2017 فُقدت الغواصة الأرجنتينية العسكرية «سان خوان» وعلى متنها 44 بحاراً، وهي مصممة بشكل يجعل العثور عليها صعباً للغاية، خاصة أنها تستخدم تقنيات التخفي التي تحُول دون رصدها أو العثور عليها في حال تعرضها لخلل فني. وقال تقرير رسمي إن هناك انفجاراً غير طبيعي وقصيراً وعنيفاً تسبَّب بفقدانها.
ويوجد نوعان من غواصات «الشبح» التي تتميز بقدرة التخفي؛ الأولى ألمانية، والثانية سويدية، والاثنتان عديمتا الصوت ولا تصدران أي ذبذبات يراها الرادار.
حديث الغواصات أثاره اجتماع سان دييغو في الولايات المتحدة. لكن الحديث عنه لم يمرّ مرور الكرام. ونَدَع الحربين العالميتين الأولى والثانية إلى نهايتيهما المعروفتين. هل سمعتم عن غواصة «يوم القيامة» الروسية؟ الساعة صفر دقّت في الحرب الروسية على أوكرانيا وروّجت موسكو لهذه الدعاية على أن هذه الغواصة ستقلب كفة الحرب في أوكرانيا.
وهذه الغواصة تصفها روسيا بأنها «وحش المحيطات وعملاق البحار» الذي لا يُقهر. فقوتها النووية قادرة على توليد موجات تسونامي إشعاعية يفوق ارتفاعها نصف كيلومتر، وهو أمر خارق وله قدرات «تدميرية وفتاكة» لم يشهدها العالم من قبل، ولذلك يزعمون أنها غواصة نهاية العالم خلال نصف ساعة.. والله أعلم! وعلى الطريقة العربية صارت هذه الغواصة تحمل لقب «أم الغواصات» و«الوحش النووي»، بينما اسمها الرسمي في قوافل الغواصات «بيلغورود».
علّقت وزارة الخارجية الصينية على اجتماع سان دييغو محذرة أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة من المضي في «مسار خطير يضر بالسلام والاستقرار». ويلاحظ السياسيون والعسكريون أن بكين لا تترك مناسبة دون أن تلوّح بأعلام السلام، وهو أمر يرتبط بـ«الحكمة» والتأني في الاتجاه الحربي، سواء في طريق تايوان أو أوكرانيا.
ووضعت الصين جانباً لأول مرة منذ سنوات حديثها اليومي عن طريق الحرير إلى أن تضع الحرب أوزارها. فالحرب الروسية أو الأوكرانية غيّرت كثيراً من المسارات البرية بعد أن كانت «الأحياء الصينية» تُزين كثيراً من العواصم والمعالم الدولية، سواء في قلب الولايات المتحدة أو صدارة ماليزيا أو شوارع جزر سليمان.
قصص الحروب الغربية أسوأ من حكايات الحروب الشرقية.
8:2 دقيقه
TT
3 أساطيل غربية في الظلمات السبع
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة