ضرب منتخب المغرب كل التوقعات، وشق طريقه بكل نجاح نحو مربع الذهب في مونديال المنافسات الطاحنة والمفاجآت المدوية... لم يكن طريق المنتخب المغربي مفروشاً بالورود، فقد أطاح بقوى كروية كبرى في طريقه للتأهل إلى هذا الدور كإنجاز أول من نوعه عربياً وأفريقياً... هزم إسبانيا في دور الـ16 بعدما تخطى بلجيكا وكندا في المجموعات... ثم واجه البرتغال في ثمن النهائي، ولعب أمامه مباراة كبيرة للغاية تدخل ضمن التصنيفات الكروية التي تحظى بدرجة الامتياز دفاعاً وهجوماً وحفاظاً على المكتسبات.
هنيئاً للمغرب والعرب هذا الزحف التاريخي نحو أدوار مونديالية كان يحسبها البعض علينا من ضروب الخيال البعيد... كيف لا؟ وقد هيمنت القوى الأوروبية واللاتينية على تلك المقاعد الذهبية عقوداً طويلة... إلا أن المنتخب المغربي غيَّر كثيراً من ملامح التاريخ العالمي على مستوى الحضور العربي والأفريقي على مسرح منافسات كأس العالم.
المونديال يواصل تفجير المفاجآت المدوية، وهنا تكمن أسرار تميز هذه النخسة بالتحديد... من كان يظن أن البرازيل الذي أدرك هدفاً في الأشواط الإضافية في مواجهته مع كرواتيا سيخرج مودعاً بكل مرارة تكتب عمقها دموع نجمهم الأول نيمار الذي ظل في أرضية الملعب يبكي أطلال الخروج المرير بعد ريمونتادا تاريخية - لكنها ليست غريبة - من فريق يقوده عجوز «بلغة العمر الرقمي»، لكنه سيد شباب الملاعب بلغة العطاء والإصرار... لوكا مودريتش... الأرجنتين كان هو الآخر على حافة الخروج رغم تقدمه بهدفين نظيفين على هولندا... إلا أن شباب الطواحين يعود مكشراً عن الأنياب بكل قوة ويدرك التعادل ثم تمنح ضربات الترجيح قبلة الحياه لميسي، الذي يحلم برفع الكأس لتزيين مسيرته الدولية التي لم يكتب عنوانها المونديالي حتى الآن، رغم كل تاريخه وأرقامه وألقابه وجوائزه الفردية على مستوى الأندية.
فرنسا وإنجلترا صراع حيتان على المستويات الكروية والجماهيرية كافة، بل ربما ما وراء ذلك بكثير أيضاً حسمه الديوك بعدما فرط هاري كين في نَفَس المباراة الأخير، مهدراً ضربة جزاء ثانية بعدما كان قد سجل الأولى قبلها بدقائق.
صراعات كبيرة ومثيرة ومفاجآت تبدو خارج كل نظريات التوقعات والمنطق والمعقول... انتقلت بنا إلى رحابة أفق اللامعقول في عالم كرة تأبى إلا أن تكون حقاً ساحرة ماكرة لا يؤمَن لها جانب، وإن وجدتها بجوارك في كل جانب لتنتهي منافسات ربع النهائي إلى خريطة نصف النهائي بأضلاعها الذهبية بمواجهاتها المرتقبة أيضاً... الأرجنتين بكبرياء رافض للوداع في مواجهة كرواتيا بعزة المقاتلين على إنجاز لبلادهم... والمغرب بعنفوان الطموح الجامع مع فرنسا بشهية اللقب الثاني توالياً.
ثم يبقى الأهم... تلك الدروس المستفادة التي نستخلصها من كل دور، بل إن شئت قل من كل مباراة، الكرة تحترم من يحترمها وتعطي من يبذل في عشقها كل ثمين دون أن يبخل بحبة عرق واحدة، المباريات تنتهي مع صافرة الحكم لا مع إحراز هدف أو أكثر، حتى وإن أحرزته في آخر دقائق المباراة، الكرة تفقه بعمق شديد الفرق الدقيق جداً بين الثقة والغرور، ولن أكون متجنياً إذا قلت إن تلك الشعرة هي التي قصمت ظهر البرازيل.
الأهداف والدفاع عن نظافة الشباك يعكس جهد وتعب المدربين واللاعبين في التدريبات... ففي هدف الأرجنتين الأول في مرمى هولندا الإصرار وعدم الاستسلام وفرق «سن الحذاء»، الذي سبق قدم المدافع منح هدفاً غالياً للتانجو، وهو درس من مدافع أرجنتيني انتحل صفة المهاجم ليقدم درساً في فنون العزيمة لأعتى المهاجمين.
هدف تعادل هولندا درس لتنويع «تاكتيك» التعامل مع الضربات الثابتة وكيفية مباغتة المنافس بشكل يربك كل حساباته في لحظة حنى ولو كان الأرجنتين... فكر مع الكرة تكسب.
أولاد وليد الركراكي يقدمون درساً كبيراً وعظيماً في فنون الدفاع عن المكتسبات... نجحوا في خطف البرتغال بهدف مبكر ثم أحسنوا الدفاع في شكل الجنود المدافعين عن حصنهم المنيع، ومن ورائهم حارس أمين جداً اسمه ياسين بونو... توقيت التدبديلات ومهام كل لاعب والقبض على رونالدو وإفساد أي مفعول لأي هجمة برتغالية خطيرة... كلها دروس وعبر تمنحها كرة القدم كل لحظة في كل مباراة من كل بطولة.
الهدايا الثمينة ثمنها باهظ، وليس أثمن وأغلى من ضربة الجزاء الثانية لإنجلترا في مواجهة فرنسا... لكن أهدرها كين فكان معها الكارت الأحمر للإنجليز من البطولة كلها.
أما الدرس الأهم... فهو درس النوايا الخالصة... حتى في الكرة... من جد وجد... ومن زرع حصد... ومن عمل بإخلاص لا يمكن أن يبدد حلمه أحد.
8:7 دقيقه
TT
المغرب... معجزة المونديال
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة