مارتن إيفينز
بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

ريشي سوناك عالق داخل حرب أهلية في حزب المحافظين

عندما قالت أليس، بطلة الرواية التي أبدعتها أنامل لويس كارول، إنها لا تؤمن بالأشياء المستحيلة، قدمت لها الملكة البيضاء إجابة السياسي الذكي: «أعتقد أنك لم تتدرب كثيراً». من ناحيته، لا يؤمن ريشي سوناك، رئيس الوزراء البراغماتي الجديد للمملكة المتحدة، بالأشياء المستحيلة هو أيضاً. ومع ذلك، فإن عدداً من الفصائل القوية داخل حزب المحافظين الحاكم ترغب في عدة أشياء متناقضة، والأكثر صعوبة من ذلك أنها تريدها جميعاً قبل الانتخابات العامة المقبلة، المقررة في غضون عامين. وعليه، يجد رئيس الوزراء نفسه مجبراً على صد الهجمات من داخل حزبه، في حين أن المعارضة العمالية بقيادة كير ستارمر التي زاد نشاطها مع إحرازها تقدماً بفارق 20 نقطة في استطلاعات الرأي، تهاجم بقسوة سجل حزب المحافظين منذ عام 2010. الملاحظ أن ستارمر يملك ما يكفي من الذخيرة للمضي قدماً؛ ذلك أنه من المتوقع تراجع الدخل القابل للتصرف بنسبة 7.1 في المائة خلال العامين المقبلين. وإذا تساوت جميع العوامل الأخرى، فإن هذا يبدو بمثابة ناقوس الموت الانتخابي للحزب الذي ظل حاكماً طوال 12 عاماً. وعليه، يبدو سوناك محاصراً بالفعل داخل حلقة مفرغة، ذلك أنه يتعرض لانتقادات من قبل كثيرين من داخل حزبه، لقيادته اقتصاداً «مرتفع الضرائب ومنخفض النمو». ولذلك، يقترح رئيس الوزراء تحفيز الاقتصاد، عن طريق بناء مزيد من المنازل، والالتفاف على نقاط داخل سوق العمل، عن طريق الاعتماد على الهجرة. بيد أنه لسوء الحظ، فإنه على الرغم من قبول قاعدته الحزبية للتشخيص، فإنها ترفض كلا العلاجين. ويعي رئيس الوزراء كذلك أن الاتفاقات التجارية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم تعوض فقدان الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة. ومع ذلك، فإن أي حديث عن إحياء التجارة والاستثمار عن طريق التوصل لتسوية مع بروكسل، تقابله صيحات خيانة من اليمين المحافظ الذي يتمسك برؤية «خالصة» لـ«بريكست». وبسبب غضبهم من الزيادات الضريبية وخطط التقليص الاقتصادي، يتوق كثير من المحافظين الضالين إلى تحفيز النمو. من جانبي، أتعاطف مع هذه النقطة.
ومع ذلك، يبدو أن نواب حزب المحافظين حريصون على فتح عدد من جبهات القتال على الجناحين الأيمن والأيسر للحزب. ونجح المتمردون، الثلاثاء، في منع إقرار خطة الحكومة لبناء 300 ألف منزل سنوياً، وهو هدف وهمي تماماً، كانت آخر مرة تحقق فيها قبل 45 عاماً. إلا أنهم في خضم ذلك، هاجموا أحد المبادئ الأساسية التي اعتمد عليها خطاب حملة سوناك الانتخابية، لاستعادة سمعة الحزب بين مالكي المنازل المحتملين. وأعرب كثير من الاقتصاديين عن اعتقادهم بأن بناء المنازل أفضل سبيل لتحفيز النشاط الاقتصادي خلال الركود. وهذا ما حدث بالضبط خلال فترة الكساد الكبير في الثلاثينات. في كل الأحوال، تحتاج البلاد إلى بناء مساكن جديدة ميسورة التكلفة للشباب. والمؤكد أن هؤلاء الشباب إذا لم يتمكنوا من تملك السكن، فإنهم سيصوتون لحزب العمال.
وفي أعماقه، يدرك سناك ذلك. وعلى الصعيد الوطني، تحول الناخبون الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً عن حزب المحافظين. ومع ذلك، يشبه المتمردون ناخبيهم، فهم غير راضين إزاء التطورات الجديدة في المجالات البيئية. وعلى الرغم من اتفاق الجميع من حيث المبدأ على البناء داخل ما تُعرف باسم «الأراضي الملوثة» في المدن منخفضة الكثافة في المملكة المتحدة، تصر زعيمة المتمردين وزيرة البيئة السابقة تيريزا فيلييه في الوقت ذاته، على أن الحكومة لا ينبغي أن تضفي «الصبغة الحضرية على الضواحي»؛ إذن أين يمكن أن يبني سوناك؟ وإذا لم يستطع رئيس الوزراء فرض نظام التخطيط الوطني الخاص به ضد رغبة نوابه، فإنني أقترح أن يقلص طموحاته لتركز على هدف أكثر محدودية؛ لكن قد يكون أكثر قابلية لإنجازه. ومن المتوقع أن يلقي سوناك بثقله وراء تطوير مثلث التكنولوجيا المزدهر بين أكسفورد وكامبريدج ولندن؛ حيث تقف قيود التخطيط عقبة اليوم أمام النمو.
جدير بالذكر أنه في الماضي، حصل وزير في مجلس الوزراء، مايكل هيزيلتاين، على صلاحيات هائلة لإحياء أرصفة ميناء ليفربول والعاصمة. وحقق بالفعل نجاحاً مذهلاً. ويمكن لمبادرة مماثلة، تقابلها خطط للتجديد في الشمال خلال الحقبة ما بعد الصناعية، أن تخلق مكاسب اقتصادية كبيرة بتكلفة سياسية أقل. ويتوقع مكتب مسؤولية الميزانية الذي يراجع مسؤوليات الحكومة الضريبية والإنفاق، أن الهجرة المتزايدة ستشجع النشاط الاقتصادي، وتجنب الاختناقات في سوق العمل المتوترة. ويرغب كل من اتحاد الصناعة البريطانية ولوبي العمال بالقطاع الزراعي في استقطاب أجانب لملء فرص العمل الشاغرة. ومع ذلك، فإن هذا المسار يفتح جبهة قتال جديدة، ذلك أن أحد المطالب الرئيسية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تمثل في مراقبة الهجرة، وإنهاء حرية تنقل الأشخاص القادمين من الاتحاد الأوروبي إلى داخل المملكة المتحدة. وتكشف الأرقام الرسمية الصادرة الخميس، أن صافي الهجرة بالمملكة المتحدة وصل إلى 504 آلاف خلال العام، حتى يونيو (حزيران). وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، زاد عدد المهاجرين بالفعل. ويشعر الناخبون الذين صوتوا لصالح «بريكست» بالغضب الشديد إزاء هذا التدفق للمهاجرين. إضافة إلى ذلك، فإن الهجرة الجماعية، بدورها، تحول الأزمة التي يجابهها سوناك إلى حلقة مفرغة على نحو مقلق: فالنمو السكاني يزيد الطلب على الإسكان. تجدر الإشارة هنا إلى أنه قبل 4 سنوات، قدَّر تقرير صادر عن وزارة الإسكان أن أسعار المساكن ارتفعت بنسبة 20 في المائة خلال فترة 25 عاماً، بدءاً من عام 1991. وإذا أراد زعيم حزب المحافظين الخروج من هذا الفخ، فعليه معالجة نقص العمالة في المصدر. تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ أكثر من 5 ملايين بالغ غير نشطين اقتصادياً داخل المملكة المتحدة، وهو رقم زاد بمقدار 600 ألف شخص منذ الجائحة. وعلى الرغم من أن البعض عاطل عن العمل بسبب إعاقات جسدية وعقلية طويلة الأمد، فإن كثيراً من هؤلاء يتمتعون بصحة جيدة، ويحتاجون إلى إغرائهم للعودة إلى القوة العاملة. ويتعين على سوناك إما اجتذاب مزيد من الأشخاص للعودة إلى العمل وتقليل عدد المهاجرين، وإما السماح باستمرار الهجرة الجماعية؛ لكن مع بناء مزيد من المنازل لإيواء الوافدين الجدد. بدلاً عن ذلك، يوجد اليوم في المملكة المتحدة مزيد من المهاجرين ونقص في المساكن بسبب التضخم.
من ناحيتها، تقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن المملكة المتحدة ستعاني أكثر من معظم البلدان المتقدمة خلال فترة الركود. ومن الواضح أن العوائق أمام التجارة مع الاتحاد الأوروبي تقف عقبة في طريق النمو، ومع ذلك فإنه عندما أفادت مصادر لم تكشف هويتها لصحيفة «صنداي تايمز» بأن الحكومة تدرس إبرام اتفاق على النمط السويسري مع بروكسل، أثار ذلك غضب الجناح اليميني لحزب المحافظين. على أي حال، لا يؤيد أي من حزب المحافظين ولا حزب العمل في الوقت الراهن ما سيترتب عليه مثل هذا الاتفاق: المساهمة في ميزانية الاتحاد الأوروبي، واكتساب الأسبقية القضائية الأوروبية، والسماح بحرية الهجرة. ومع ذلك، فإن تقليص بعض الاحتكاكات التجارية سيكون بالتأكيد موضع ترحيب. وعلى الرغم من أن سوناك مؤيد قوي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإنه يبدو شريكاً تفاوضياً أكثر قبولاً من جانب بروكسل عن سلفيه المباشرين، ليز تراس وبوريس جونسون. الحقيقة أن سوناك يواجه تحالفاً غير مقدس من المؤيدين المتعصبين لـ«بريكست»، وأنصار البقاء داخل الاتحاد الأوروبي الذين يرغبون في أعماقهم في أن يخفق «بريكست». وبينما لا يرغب الفريق الأول في التوصل لتسوية مع الاتحاد الأوروبي، يود الفريق الثاني العودة للاستفتاء من جديد.
ومع أن القائد الجديد صاحب شخصية ودودة تنفر من الصراعات، فإن تجنب جميع المشاحنات يبقى أمراً في حكم المستحيل. وإذا لم يقدم رئيس الوزراء الجديد بارقة أمل توحي بحدوث نمو اقتصادي، فستظل فرص التعافي تتضاءل شهراً بعد آخر.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
* رئيس تحرير صحيفة صنداي تايمز اللندنية سابقاً وكبير المعلقين السياسيين فيها