إليكم إحصاءات مثيرة للاهتمام مصدرها استطلاع خاص بالعمل، أجراه موقع «بيرنينغ غلاس» عام 2014. وأظهر الاستطلاع أن 65 في المائة من إعلانات الوظائف الجديدة، التي تطلب سكرتيرًا أو مساعدًا تنفيذيًا، تشترط أن يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس، في حين أن «19 في المائة فقط من الذين يشغلون هذه الوظائف حاليًا، هم من يحملون هذه الشهادة». ويعني هذا أنه لن يتم التفكير في توظيف أربعة أخماس الذين يشغلون وظيفة سكرتير اليوم، في ثلثي الإعلانات التي تطلب عاملين في هذا المجال، لأنهم لم يحصلوا على شهادة جامعية للقيام بالمهمة التي يقومون بها بالفعل حاليًا.
وأشارت الدراسة إلى «تزايد عدد الباحثين عن عمل ممن يتم فصلهم عن عمل يحتاج مهارة متوسطة ومتوسط المستوى بسبب تزايد رغبة أصحاب العمل في توظيف من يحملون شهادة بكالوريوس، لتكون بمثابة بطاقة تعريف مؤهلة رغم احتمال عدم وجود أي صلة بينها وبين مهمة العامل، أو أنها لا تعبر عن القدرات الحقيقية للإنسان، أو ربما بالنسبة إلى الوظائف التي لا يحتاج إتقانها إلا دورتين تدريبيتين قصيرتين على الإنترنت».
وليس ما سبق سوى إحدى المشكلات التي تؤدي إلى البطالة وعدم استغلال مؤهلات البشر بشكل مناسب في مجال العمل اليوم. وكان هذا الأمر هو موضوع المنتدى الذي مؤخرا، وشارك في تنظيمه كل من مؤسسة «نيو أميركا»، و«ماكنزي»، و«أبورتيونيتي آت وورك»، وهي مجموعة مدنية أنشأها مؤخرًا بايرون أوغست، الذي كان يقود محاولات الرئيس باراك أوباما الأخيرة من أجل إصلاح مسار التعليم من أجل العمل في أميركا.
وكان تركيز اللقاء منصبًا على دراسة جديدة أجرتها مؤسسة «ماكنزي» بشأن كيفية استخدام الكم الهائل من البيانات في المواقع الإلكترونية، التي تكتشف المواهب، من أجل تعزيز مواهب، وقدرات القوة العاملة، والعثور عليها في أماكن وجودها، وإن لم تكن مكتشفة، ومصنفة بشهادة جامعية، وربطها بمتطلبات الأعمال الحقيقية، وبالكليات التي تسعى لجعل مناهجها مرتبطة باحتياجات قوة العمل المتغيرة. وذكر مارك وارنر، عضو مجلس الشيوخ، الذي ألقى خطابًا ذكيًا مهمًا أن «هناك 25 مرشحًا للرئاسة، ومن الواضح بالنسبة لي أنه لا يوجد من بينهم من يتحدث عن مثل هذه الأمور».
تبدأ دراسة «ماكنزي» بما يلي: «لم تواكب أسواق العمل حول العالم الخطى السريعة للتحولات التي تحدث للاقتصاد العالمي، وأدت نقائصها إلى عواقب وخيمة». ولا يستطيع ملايين البشر العثور على عمل، «لكن لا يوجد عدد كافٍ لشغل الوظائف الشاغرة في قطاعات بداية بالتكنولوجيا ووصولاً إلى الرعاية الصحية. يشعر كثيرون ممن يعملون بالفعل بأنهم يملكون من المؤهلات ما يفوق المؤهلات المطلوبة لعملهم، أو أنه لا يتم الاستفادة من قدراتهم بالقدر الكافي».
أوضح أوغست: «الفجوة بين المهارات والعمل حقيقية، لكن هذا عرض من أعراض سوق العمل الفاشل، وكذا ثبات الأجور، وتراجع الحراك الوظيفي، لا سبب لذلك». صحيح أن عدد الذين يحتاجون إلى تنمية المهارات الرقمية اليوم يزداد، لكنه أشار إلى أن هناك كثيرين ممن يتمتعون بالمهارات التي يطلبها أصحاب العمل، مثل مهارات التشفير، قد يفتقرون إلى المسوغات التقليدية اللازمة من أجل الحصول على الوظائف المعروضة. وقد يكون هناك بعض الأشخاص الذين يسعدون بتنمية تلك المهارات ويستطيعون القيام بذلك، لكن ليس لديهم علم بماهية تلك المهارات، أو الأماكن التي يمكنهم التوجه إليها لتعلمها، أو كيفية التواصل مع منابر تعليمية جديدة لا تغطيها قروض أو منح حكومية تقليدية. ولدى الشركات عاملون في مخازن، ومراكز اتصالات، ومتاجر بيع بالتجزئة، لديهم الدافع والرغبة في تعلم المهارات اللازمة لوظائف جديدة، لكن لا يراهم، أو يكتشفهم، أو يمنحهم فرصة التدريب على الإنترنت، سوى قليل من أصحاب العمل. كذلك هناك مناطق حضرية وريفية يمكن أن ينجح فيها الوصول إلى عاملين واعدين، لكن ليس لديهم شهادات كافية، في إعادة وظائف تكنولوجيا المعلومات إلى الأراضي الأميركية.
ويمكن زيارة الموقع الإلكتروني «لينكيد إن»، الذي لديه قاعدة بيانات هائلة لملايين العاملين، قام بتحليلها لمعرفة المدارس، التي يعمل خريجوها في الشركات الكبرى في مختلف المجالات. ولا تكون تلك المدارس دائمًا هي التي تتوقعها. المحاسبة؟ «فيلانوفا» و«نوتردام»؛ الإعلام؟ جامعة «نيويورك»، و«هوفسترا»؛ مبتكرو برامج كومبيوتر؟ «كارنيغي ميلون»، و«كولتيك» و«كورنيل». سواء أردت أن تعمل سباكًا أو جراحًا، فمن المفيد أن تعرف المدارس التي ينضم خريجوها إلى الشركات الرائدة. التكنولوجيا تعيد تعريف العمل والتجارة، وإذا كنا أذكياء يمكنها إعادة تعريف التعليم من أجل التوظيف والتقدم بحيث يستطيع الجميع أو الاستفادة من مهاراته وتطويرها والاتصال بأي صاحب عمل يحتاج إليها. وقال ماكنزي: «يمكن أن يستفيد عدد يصل إلى 540 مليونًا من المواقع الإلكترونية التي تكتشف المواهب بحلول عام 2025». ولا يمثل هذا صعوبة؛ فنحن بحاجة إلى استغلال بيانات الحكومة الفيدرالية، ومواقع إلكترونية مثل «مونستر»، و«هاير آرت»، و«لينكيد إن»، الخاصة بسوق العمل، على نحو أفضل، بل وحتى إلى التفكير في برنامج يقابل برامج التبادل التي كانت في إطار نظام الرعاية الصحية الذي أرساه أوباما. وتساهم المواقع الإلكترونية الخاصة بالمواهب، التي يمكن أن توصل السيرة الذاتية للجميع إلى أصحاب العمل، الذين يعرضون فرص عمل، وبالمهارات المطلوبة لشغل تلك الوظيفة، والكليات، سواء على الإنترنت أو على أرض الواقع، التي توفر التدريب على تلك المهارات، والبيانات التي توضح أفضل الكليات في هذا الصدد، في توفير المزيد من فرص العمل، واكتساب المهارات ذات الصلة، والتعليم المناسب لهم جميعًا.
الكونغرس بحاجة إلى تقديم المزيد من الحوافز القانونية، والمالية، والمتعلقة بالخصوصية، من أجل توفير أسباب الحياة لهذا العقد الاجتماعي الجديد، حيث قال عضو مجلس الشيوخ وارنر: «أكبر تحدٍ أمام هذه القوى العاملة، وواضعي السياسات الفيدرالية، هو التغير في العلاقة التقليدية بين صاحب العمل والعامل». وقال أنيش تشوبرا، الرئيس السابق للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، إنه إذا استخدمنا كل ما لدينا من موارد تكنولوجية، نستطيع تقديم «توصيات محددة خاصة بكل خطوة من خطوات حياتك، وفي كل خطوة من خطوات حياتك» للناس. وأضاف أوغست قائلاً: «يمكننا استخدام التكنولوجيا لعمل ما هو أكثر من المهمات الآلية. ويمكننا استخدامها لتحفيز عملية التعلم، والاستفادة القصوى من المواهب، وإرشاد الناس للحصول على وظائف ومهن أفضل».
سيتمكن الإنسان الآلي من القيام بكل الوظائف فقط إذا سمحنا نحن له بذلك. لذا، فلنستخدم التكنولوجيا من أجل مساعدة من يمتلكون مهارات متوسطة من البقاء في صفوف الطبقة المتوسطة.
* خدمة «نيويورك تايمز»
7:44 دقيقه
TT
كيف نهزم البرمجيات؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة