الواقع أن الرئيس الصيني لديه الكثير من الأحداث الجارية راهناً. في الأسبوع الماضي وجه انتقادات شديدة لتسليح النظام المالي العالمي، وتعهد بتحقيق أهداف النمو المحلية، ودعا إلى التنمية الصحية لقطاع التكنولوجيا المالية في الصين. وكلها أمور مرتبطة ببعضها البعض.
في أول إشارة إلى الأهداف الاقتصادية منذ اجتماع المكتب السياسي في أبريل (نيسان) الماضي، صرح الزعيم الصيني شي جينبينغ يوم الأربعاء بأن بلاده «سوف تدعم تعديل السياسة الكلية، وتتخذ المزيد من الإجراءات الفعالة» لتحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية لهذا العام. وفي نفس اليوم، دعا شي حكومته إلى تحسين التنظيم، وتعزيز «الروابط المؤسسية الضعيفة»، ودعم شركات التكنولوجيا المالية في مساعدة ما يسمى التداول المزدوج، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية.
تشير العبارة الأخيرة إلى سياسة بكين لتعزيز الاقتصاد المحلي مع حمايته من الاعتماد الزائد على الأسواق الدولية. ورغم هذا فإن الصين ليس لديها ما قد يحل محل البنية الأساسية المالية العالمية التي يقودها الغرب، والتي تسمح للمدفوعات ورؤوس الأموال بعبور الحدود بسهولة.
لم يكن جاك ما مؤسس مجموعة شركات «علي بابا» القابضة حكيماً عند انتقاده للبنوك الصينية ووصف عملها بعقلية «متجر الرهن» أثناء خطابه الشهير الذي ألقاه سنة 2020 في «منتدى بوند» في شنغهاي، لكن هذا لا يعني أنه كان مخطئاً. لقد كان القادة الماليون والهيئات التنظيمية في الدولة أقل كفاءة وفاعلية عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع قطاع التكنولوجيا المالية.
من جهة أخرى، نالت الجهات التنظيمية في الصين ضربة قاسية أيضاً؛ إذ قد تعرضت لانتقادات لاذعة بسبب الرقابة، ولكن ما دامت الشركات الناشئة الفتية تتوخى الحذر في مجالات حساسة مثل الثقافة، والمحتوى، والسياسة، فقد سُمح لها بالعمل بكل عنفوان وقوة.
قد بدأت شركة «علي بابا» عملها في مجال التجارة الإلكترونية بما لا يزيد على مساعدة المستهلكين في دفع ثمن البضائع. وقد حقق تطبيق «علي باي» لشركة «علي بابا» ما فعله تطبيق «باي بال» لشركة «إي باي» الأميركية في مطلع القرن. كما شاركت شركة «تينسينت القابضة» المحدودة في اللعبة أيضا، مستخدمة منصات التراسل الفوري الخاصة بها للسماح للمستخدمين بإرسال نسخ رقمية من الحزم الحمراء التقليدية التي يتم تبادلها في العام القمري الجديد.
لكن على النقيض من «باي بال»، فإن منصات الدفع على شبكة الإنترنت من الممكن استخدامها الآن لشراء السلع والخدمات في المتاجر الحقيقية. لم تُمانع الجهات التنظيمية، لأن العملاء كانوا يستخدمون أموالهم الخاصة، ولم تكن المنصات تتحدى بطاقة ائتمان «يونيون باي» الصينية المحلية، وكان هناك قلق قليل حول إدارة المخاطر.
ثم صار أنه تطور طبيعي لهذه الشركات بأن تنظر إلى المبالغ الهائلة من الأموال الموجودة في خزائنها، وتفكر في المنتج الذي يمكنها تطويره. كانت حسابات إدارة الأموال لفترة من الوقت بمثابة مادة ساخنة بين المستهلكين الصينيين. وكان الإقراض، والتأمين، والخدمات المالية الأخرى بمثابة الخطوة المنطقية التالية.
ومع عدم تأكدها من كيفية إدارتها، بدأت الجهات التنظيمية في اتخاذ إجراءات صارمة. لذا، عندما وجه جاك ما انتقاده إلى التكنوقراط الصينيين لاعتمادهم أساليب العمل القديمة للغاية، ربما كان محقاً. ومع ذلك فقد ارتكب خطأً فادحاً حينما غفل عن نقطة أكبر؛ هي أنه رغم أنه رائد ناجح من رواد الأعمال، فإن جاك ما لم يكن في موضع المسؤولية. وقد سارعت بكين إلى إطلاعه على حقيقة موقفه. فقد جرى إلغاء الإدراج العام لشركة «آنت غروب»، وبدا أن قطاع التكنولوجيا المالية قد دخل في حالة من الإغلاق.
لكن الرئيس الصيني يحتاج إليها الآن. رغم كونها من أولى الدول التي لديها خطط لإطلاق عملة رقمية للبنك المركزي، فإن حكومة الصين والبنوك المملوكة للدولة لا تملك الأدوات الإبداعية لبناء الأنظمة المالية المستقبلية التي تتوق إليها شعوبها الهائلة عدداً والمتمرسة رقمياً. وقد أُغلق تداول أسهم «علي بابا» ارتفاعاً بنسبة 6.4 في المائة في هونغ كونغ الخميس الماضي بعد صعودها بنسبة 8.3 في المائة في أعقاب تقارير عن دعم الرئيس الصيني لهذا القطاع.
إذا تعلمنا أي شيء من الأزمة المالية العالمية لعام 2009 فهو أن تدفق الأموال عبر النظام المالي لا يقل أهمية عن مقدار المال الموجود فيه. وعندما بدأ الائتمان ينضب، توقف الاقتصاد العالمي تماماً. وهذا ما يفسر لماذا تعتبر السياسة النقدية الحالية في الصين سياسة للتسهيل، في حين أن الاقتصادات الكبرى الأخرى تزداد قوة. ومع ارتفاع التضخم وأسعار النفط، وضربات الإغلاق الشامل إثر فيروس «كورونا» لقطاع الصناعة والخدمات اللوجيستية، وإثارة الاجتياح الروسي لأوكرانيا لحالة عدم اليقين، فإن أي توقف لتدفق الأموال عبر النظام المالي الصيني سوف يعرض أهداف الرئيس شي الاقتصادية للخطر.
هذا لا يعني أن التكنولوجيا المالية مجانية للجميع. وكان شي دعا إلى بذل الجهود لضمان أمن المدفوعات والبنية الأساسية المالية، والوقاية من المخاطر المالية النظامية المحتملة ونزع فتيلها، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء «شينخوا». ومن بين المخاوف أن هذه التكتلات أصبحت أضخم من أن يُسمح لها بالفشل، مع صعوبة الإدارة، وتمتعها بميزة غير مُنصفة عندما يتعلق الأمر بجمع البيانات وتحليلها. وتبدأ مثل هذه البنية في الظهور بمظهر احتكاري، وتزيد المخاوف من المخاطر النظامية.
ينبغي لشركات التكنولوجيا المالية أن تضطلع بدورها أيضاً. وأفادت وكالة «رويترز» الأسبوع الجاري بأن شركتي «آنت» و«علي بابا» تعملان على الانفصال عن بعضهما البعض، بما في ذلك التراجع عن التعاون السابق، وتقييد الوصول إلى خدمات بعضهما البعض، وحتى عقد تحالفات مع المنافسين. هذا التفكك ربما كان يجب أن يبدأ قبل سنوات قليلة، حتى قبل أن تكون شركة «آنت» مستعدة للإدراج، ولكن التأخر أفضل من لا شيء على الإطلاق.
ثم تأتي خطة شركة «آنت» لتقديم طلب للحصول على ترخيص لتصبح شركة مالية قابضة، كما ذكرت «بلومبرغ نيوز» مؤخراً. وقد تستغرق عملية الموافقة شهوراً، ولكن إذا ما مضت قدماً فإن الأعمال سوف تُدار تحت إشراف البنك المركزي، تماماً كما تعمل البنوك التقليدية الأخرى. ومن المرجح أن تستأنف خطط إدراج أسهمها في البورصة من هناك.
لا شيء من ذلك يمكن أن يأتي سريعاً. وإذا كان للصين أن تشق طريقها عبر الفترة المقبلة من الاعتلال الاقتصادي مع الانفصال عن الغرب، فسوف يكون لزاماً عليها التحلي بالفطنة واستغلال كل الموارد التي تستطيع حشدها. وسوف تشكل شركات التكنولوجيا المالية المبدعة والريادية أداة بالغة الأهمية لبلوغ هذه الغاية.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
7:49 دقيقه
TT
الرئيس الصيني يدرك حاجته إلى التكنولوجيا المالية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة