العالم يبدو كما لو أنه مؤلف من أشكال تعلن الغموض والتناقض لسياسة معقدة وشائكة ترافق هذه المرحلة، ففي السياسة يجب اختيار ما هو أفضل، إضافة إلى التمسك ببعض المبادئ حتى لو كانت عشوائية، وإلا فلا وجود لنظام سياسي ممكن أن يستمر، فمنذ أن احتلت أخبار الملفات النووية لإيران وكوريا الشمالية صدر صفحات الصحف ووسائل الإعلام العالمية، ظلت هذه الملفات عالقة تهدد السلم العالمي، ففي تاريخ ليس بالبعيد عام 1993 كانت إسرائيل وكوريا الشمالية تتحركان نحو إبرام اتفاق تتوقف كوريا الشمالية بموجبه عن إرسال أي صواريخ أو تكنولوجيا عسكرية إلى الشرق الأوسط مقابل أن تعترف إسرائيل بذلك البلد، لكن الرئيس الأميركي بيل كلينتون أجهض الاتفاق.
وما ينطوي عليه مثل هذا التحرك جعل إسرائيل والراعي الأميركي ينفذان ما يريدانه على مراحل في منطقة الشرق الأوسط وما رافقها من تطورات سياسية مفصلية أعادت رسم معادلات المنطقة على نصاب مختلف، وفي هذا الجانب من الأحداث لا تستبعد إيران مسؤولية إسرائيل عن مقتل اثنين من العلماء الإيرانيين عبر دس السم لهما، ونشرت تصريحات في هذا الصدد أنه «إذا ثبتت صحة الشكوك الإيرانية فإنه تطور مهم في الحرب الخفية التي تشنها إسرائيل داخل إيران زادت وتيرتها مع اقتراب طهران من امتلاك أسلحة نووية، بحسب ما تقول إسرائيل»، وخصوصاً بعد الدور الذي لعبه الوسيط الأوروبي في نقل الرسائل والحوار غير المباشر بين طهران وواشنطن، ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود، بعدما يئست من تعنت طهران والحصول منها على التنازلات التي تريدها فيما يتعلق بالعودة للالتزام بقواعد اللعبة، والقبول بإعادة إحياء الاتفاق من دون شروط إضافية.
في هذا الموقع بالذات يكمن رفض طهران، وتستمر بإرسال رسائل مشفرة تهدد فيه الإسرائيليين وخصوصاً السياح منهم في تركيا حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بنيت، أرسل تحذيراً شديد اللهجة لإيران، قائلاً إنها ستدفع ثمناً باهظاً في حال استهدفت مواطنيها الموجودين في تركيا، وخصوصاً في مدينة إسطنبول، وأغلب المشار إليهم من «كتيبة الأقصى» في «الحرس الثوري» الإيراني، ومنهم أيضاً جنرال في «الحرس الثوري» تعتبره تل أبيب مسؤولاً عن عمليات استهداف مواطنيها ومصالحها في الخارج.
كل ذلك بعد «حرب التصريحات» بينهما، فيما يخص البرنامج النووي لطهران، الذي قال بخصوصه رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه يتوقع أن يصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة تحذيراً واضحاً لإيران في شأن برنامجها النووي، وأشار لدور إسرائيلي في عمليات نوعية داخل إيران، إذ في 26 مايو (أيار) تعرض موقع مركز بحوث تابع لوزارة الدفاع الإيرانية يضم مجمعاً عسكرياً، في منطقة بارشين العسكرية شرق طهران، لهجوم بطائرة مسيرة متفجرة، وقد أسفر هذا الهجوم عن مقتل أحد العسكريين، إضافة إلى تدمير جانب من مركز الأبحاث، بمساعدة الجيش الأميركي لتحديد الأهداف الإيرانية في سوريا.
إضافة إلى ما سبق، هناك حوادث غامضة تتحدث عنها إيران وقعت خلال هذه الحرب الخفية، علاوة على الشكوك التي تحوم حول حالات وفاة مدبرة، ومنها بالطبع حادثتا التسمم اللتان يمكن اعتبارهما نادرتين رغم أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) سبق أن استخدم تلك الوسيلة في اغتيال العالم النووي الإيراني البارز أردشير حسين بور عام 2007. ومع أن تل أبيب لم تعلن مسؤوليتها عنه إلا أن أجهزة الاستخبارات الأميركية أكدت أن حسين بور كان على قائمة المستهدفين من قبل إسرائيل.
الأمر هنا يقودنا إلى عمق المسألة، والتكاليف الباهظة لهذا الصراع على صعيد المدى والحجم والطموح والموارد، وتأسيساً على ذلك، فإن إسرائيل وإيران اللتين مارستا كل أنواع القتل والإرهاب ضد الدول والشعوب العربية، ستظل المواجهة الخفية بينهما تقترب من مرحلة الصدام العلني، ففي خلفية هذا المشهد، تتعدد الأسباب وكل منهما يخشى استهداف الآخر، لا سيما أن إسرائيل غايتها وهدفها إضعاف مشاريع إيران والخطر الذي يتهدد السلم العالمي، حتى داعمو الاتفاق في حالة حذر ويقظة، وما زالت إسرائيل تطالب بتطبيق سلاح العقوبات من واشنطن للحد من صادرات إيران البتروكيماوية، علاوة على سيل التهديدات لإيقاف برنامجها النووي الذي تم تصنيعه في الخفاء، ولكن كيف يجب أن ننظر إلى هذه المسألة في حال ما إذا كانت الحلول السياسية غير واردة لإنهاء الصراع في المنطقة والعمل على إيقاف المشروع النووي؟ كثيرة هي الثغرات في العلاقات الدولية التي يشوبها القلق... فهل ساعة الحرب اقتربت، وهل هذا ما تعمل عليه أميركا؟
8:32 دقيقه
TT
الحرب الخفية في إيران
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة