بعض الناس بطبيعتهم أكثر حسماً للأمور من غيرهم. يتميز هؤلاء الأشخاص بقابليتهم للشحن المسبق بمواقف معينة لا تجعلهم ينظرون إلى الوراء. لكن هل هذه النوعية من الناس يتخذون قرارات أفضل؟
اتضح أن الأشخاص المترددين لا يتخذون قرارات أسوأ، إذ يتعلق فن اتخاذ الخيارات الجيدة بكيفية قيامنا بها، وما إذا كنا بالفعل قادرين على وضع قراراتنا موضع التنفيذ بنفس الصورة التي نفاضل بها بين الخيارات.
توصل وغيتش زاكوفيسكي، باحث دراسات عليا من جامعة كارديف، واثنان من المؤلفين المشاركين، إلى هذا الاستنتاج بعد دراسة الطريقة التي يتخذ بها الناس القرارات. تم نشر ورقتهم البحثية التي خضعت لمقارنات مع نظيراتها على الإنترنت في وقت سابق من الشهر الجاري.
من خلال دراسة استقصائية أوّلية شملت 723 شخصاً، جرى تشكيل مجموعتين من 60 مستجيباً بناءً على إجابات للأسئلة التي تقيس «التحكم في العمل»، وهو أحد العوامل الرئيسية التي يُعتقد أنها تحدد فاعلية اتخاذ القرار ومهارات التنفيذ.
وفقاً لهذا التصنيف، فإن الأشخاص «ذوي المنحى العملي» -أولئك الذين يجدون أنه من الأسهل البدء في اتخاذ القرارات ومتابعتها- يتكيفون بسهولة أكبر مع ضغط الوقت أو الإجهاد، ويكونون أكثر قابلية لمتابعة قراراتهم. من ناحية أخرى، يواجه الأشخاص «ذوو التوجه الحكومي» قرارات أكثر صعوبة، وأقل مرونة، وأكثر عُرضة للتشكيك في الخيارات التي اتخذوها، وهم عُرضة للتخلي عن ذلك الجهد لاحقاً.
خضع المشاركون لسلسلة من المهام المعرفية البسيطة وجرت مقارنتهم من خلال سلسلة من العوامل، مثل مدى سرعة حصولهم على معلومات جديدة ومقدار المعلومات التي يحتاجون إليها للالتزام بالاختيار ومدى ثقتهم بقرارهم.
ولدهشة زاكوفيسكي، لم يكن هناك فرق مادي فيما يتعلق بجودة أو دقة القرارات التي اتخذوها. فقد أثبت الأشخاص ذوو التوجهات الحكومية أنهم قادرون على الاستجابة بسرعة وبدقة للمهام المتغيرة ودمج معلومات إضافية.
ورغم ذلك، كان هناك فرق مهم بين المجموعات، حيث يفتقر الأشخاص ذوو التوجهات الحكومية إلى نفس الثقة بقراراتهم. وكانت هناك تجربة ثانية تمثلت في إضافة مهام ذاتية، وهو ما أكد النتيجة الأولية.
تكمن مشكلة الأشخاص الأكثر انتشاراً والموجهة نحو الدولة في أنّ تدنّي الثقة بالقرار يمكن أن يُترجَم بسهولة إلى إحباط أو يأس أو ببساطة مستويات منخفضة من الالتزام بخيارات المرء. وبالنسبة لأولئك الذين ينخرطون في دورات دراسية طويلة نحو مسار وظيفي، أو كتابة الكتب، أو تأسيس الأعمال التجارية أو إصلاح العلاقات، فمن الممكن أن يكون هذا التفاني الثابت هو العامل الرئيسي المحدِّد للنجاح.
يرى التفكير التقليدي ضعف التحكم في العمل (أو التوجه المفرط للدولة) على أنه فشل في المهارات التنفيذية والضوابط. في الواقع، هناك تركيز متزايد على مساعدة الشباب على اكتساب وظائف أفضل مثل بدء المهام والتخطيط، والتي تعد حاسمة في الحياة. لكن من المثير للاهتمام أن زاكوفيسكي يقول إن بحثه يُظهر أن المهارات المعرفية ليست بقدر أهمية المهارات «ما وراء المعرفية»، التي يصفها بأنها «التفكير في التفكير».
في مكالمة عبر تطبيق «زوم» من طوكيو، حيث يُجري بحث ما بعد الدكتوراه، قال زاكوفيسكي إنه (البحث) موجّه نحو الدولة بطبيعته، وقد استغرق هذا الأمر ست سنوات بعد جمع البيانات لنشر البحث، مضيفاً: «أن تكون عملياً هو أمر مرتبط بنتائج حياة أفضل ورفاهية أفضل، وأن تكون شخصاً ناجحاً إلى حد ما». غير أنه استدرك قائلاً: «إنه ليس من المفيد دائماً أن تكون شخصاً ذا توجه عملي».
والمثال الواضح هو أولئك الذين يتخذون قرارات سيئة لكنهم لا يفعلون الكثير للتيقن أو التفكير في خياراتهم وفي عواقبها. قد يكون الأشخاص ذوو التوجه العملي أيضاً أكثر عُرضة للتحيز التأكيدي، لذلك من السهل التلاعب بهم أو ربما يجري الاستيلاء عليهم من شخصيات كاريزمية.
«الدرس الواضح الذي نخرج به من ذلك هو أن وجود الشخص في أيٍّ من الطرفين يعد أمراً سيئاً بشكل عام. وهناك الكثير من الحالات التي تكون فيها المداولات مفيدة للغاية».
درس آخر هو أن غالبية الناس سوف يزدهرون في بيئة تعمل على نقاط قوتهم وتساعد في تعويض البعض عن تحيزهم، خصوصاً أولئك الذين يميلون نحو أحد طرفي طيف حالة الحركة. قد يكون أداء الشخص الموجّه نحو الدولة أفضل في بيئة تفرض قدراً أكبر قليلاً من الهيكل وضغط الوقت (على سبيل المثال، أن تكتب بعصبية قبل 30 دقيقة من الموعد النهائي).
أحد الأسئلة التي لا أملك إجابة عنها هو: إلى أي مدى يمكننا حقاً الاستنباط من مثل هذه التجارب؟ زاكوفيسكي صريح بشأن قيود مثل هذه التجارب، فالحقل المعروف باسم «الحكم واتخاذ القرار» غني ويتضمن البحث الرائد الذي أدى إلى الحصول على جوائز «نوبل» لدانيال كانيمان وريتشارد ثالر، والعمل المؤثر بشكل كبير في العلوم السلوكية مثل كتاب كاتي ميلكمان 2021 بعنوان «كيفية التغيير» أو كتاب ريتشارد ثالر وكاس سنستين الشهير الذي صدر عام 2009 بعنوان «الوكزة».
ورغم ذلك، فإن غالبية أبحاث صنع القرار -حول كيفية اتخاذ الأشخاص الذين يتبنون استراتيجية معينة قرارات أفضل أو أسوأ من أولئك الذين يتبنون نهجاً بديلاً- لم تأتِ بمثل هذه الثمار. ففي مقال صريح للغاية نُشر العام الماضي بمجلة «Science Direct»، جادل الباحثان البارزان ديفيد فايس، وجيمس شانتو، بأن غالبية ما تم إنجازه في هذا المجال على مدار نصف القرن الماضي لم يكن ذا فائدة تُذكَر. واقترحا أن المشكلة تكمن في الاعتماد المفرط على نماذج جامدة لا تتكرر كثيراً في العالم الحقيقي. وأضافا أن «أسهل طريقة لفهم هذا الواقع المؤسف هو التفكير في كيفية استجابة باحث في مجال الحكم واتخاذ القرار لطلب صديق للمساعدة في اتخاذ قرار صعب في أمر من أمور الحياة. ودوّنّا أنه من غير المرجح أن تتأثر النصيحة بأي عمل من الأعمال التي نُشرت خلال الأعوام الخمسين الماضية».
نصيحتهم للباحثين الشباب لم تكن الاستسلام بل «دراسة القرارات الحقيقية». ويبدو أن أحد أسهل القرارات التي يجب اتخاذها في مجال علم النفس هو دراسة كيف نختار. بالنسبة لأولئك الذين يبحثون عن المؤشرات، يبدو أن عمل زاكوفيسكي يقترح علينا تقليل القلق بشأن جودة خياراتنا والتركيز أكثر على الثقة والالتزام.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:2 دقيقه
TT
الحازمون ليسوا أفضل صناع القرار
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة