الرئيس الأميركي بايدن قَبِل مؤخراً دعوة لزيارة إسرائيل، يتردد أنها ستتم قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل. إذا تمت فستكون أول زيارة له لإسرائيل والمنطقة منذ توليه منصبه في يناير (كانون الثاني) 2021.
كان واضحاً منذ بداية إدارة بايدن أن الشرق الأوسط لن يحظى بأولوية؛ حيث كان وما زال الاعتقاد السائد لدى الفاعلين في إدارة السياسة الخارجية الأميركية هو أن جميع الصراعات في المنطقة، ولا سيما الفلسطينية الإسرائيلية، وسوريا، غير ناضجة للحل. وعليه، فمن الأجدى أن تركز سياسة الولايات المتحدة على تخفيض تصاعد الأزمات وإحياء الاتفاق النووي مع إيران. الأمر الذي يقتضي تفادي أي نشاط يرفع من التوقعات التي عادة تتولد على إثر زيارة رئاسية، وذلك حتى يمكن تكريس الجهد والموارد لتحقيق هدف الولايات المتحدة الاستراتيجي، وهو ضبط صعود الصين المنافس الأكبر للولايات المتحدة.
منذ سبعينات القرن الماضي، قام كل رئيس أميركي بزيارة إسرائيل والمنطقة في توقيت مختلف في ولايته بسبب اختلاف الظروف الدولية والإقليمية. أما الزيارة المرتقبة للرئيس بايدن فتأتي على خلفية انخفاض الأولوية التي توليها الولايات المتحدة للمنطقة، وما نتج عن ذلك من شعور عدد من دول المنطقة بعدم الارتياح تجاه إدارة بايدن. لكن الأهم أن الزيارة تأتي بالتوازي مع تطورين هامين؛ الأول إمكانية إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، والثاني الأزمة في أوكرانيا.
فعلى الرغم من أن فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني تبدو في تراجع، فإنه لا يزال هناك احتمال بأنه قد يتم التوصل إلى ترتيب للتغلب على المشكلات المتبقية، وهي سياسية في الأساس، وليست فنية، التي حالت حتى الآن دون التوصل إلى اتفاق. ومن ثم، فإن زيارة الرئيس بايدن في هذه المرحلة من شأنها المساعدة في تهدئة مخاوف إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي في حالة التوصل إلى اتفاق مع طهران.
كذلك تتيح الأزمة في أوكرانيا فرصة للولايات المتحدة لدعم العلاقات مع الدول العربية، التي شهد بعضها في الآونة الأخيرة قدراً من التوتر وعدم الارتياح من قبل الطرفين. الأمر الذي يبدو أنه دفع واشنطن إلى التفكير في استثمار زيارة الرئيس بايدن لعقد قمة مع بعض الدول العربية التي لها علاقة بإسرائيل. أما تل أبيب فمن الواضح أنها أكثر حرصاً على عقد مثل هذه القمة لتكريس العملية التي كانت تأمل أن تكون أطلقتها في اجتماع النقب في مارس (آذار) الماضي، الذي استغله وزير الخارجية الإسرائيلي للإعلان عن تدشين ما وصفه بـ«هيكل أمني إقليمي جديد في الشرق الأوسط... يقوم على التقدم، والتكنولوجيا، والتسامح الديني، والتعاون الأمني والاستخباراتي... لردع أعدائنا المشتركين، أولاً وقبل كل شيء إيران ووكلاؤها». وهو ما يعني في الحقيقة ترتيباً أمنياً عسكرياً تحت غطاء نظام أمني إقليمي لمواجهة إيران بأشكال مختلفة، بما في ذلك على ما يبدو نظام للدفاع الجوي الإقليمي، بدأت تروج له إسرائيل في الآونة الأخيرة، وهو ما نوه آلية الجنرال ماكينزي، قائد القيادة المركزية الأميركية، في جولته الأخيرة بالمنطقة خلال شهر فبراير (شباط) حينما أيّد التوجه نحو «نهج متكامل للدفاع الجوي والصاروخي كوسيلة للأمن الجماعي في المنطقة».
يبدو أن الرؤية الإسرائيلية لنظام الأمن الإقليمي تحظى بتأييد الولايات المتحدة، وذلك في الوقت الذي اتخذت فيه معظم الدول العربية المشاركة في اجتماع النقب موقفاً، فيه قدر كبير من الحذر. فمن المفهوم أن دول مجلس التعاون الخليجي تشعر بالقلق إزاء السياسات الإيرانية في المنطقة، ولكنها في الوقت ذاته انخرطت في محادثات ثنائية مع طهران. ومن ثم، فإن دخولها في أي ترتيب سياسي عسكري موجه ضد طهران قد لا يكون وارداً، على الأقل في المرحلة الحالية، وإلى أن يتضح الموقف بالنسبة لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك ما يخص نتائج المحادثات الثنائية مع طهران.
لقد أكدت دوماً أن مصلحة البلدان العربية تكمن في إنشاء هيكل أمني إقليمي شامل، بمعنى أن له أبعاداً عسكرية وسياسية وإنسانية واقتصادية، ويتضمن جميع دول المنطقة العربية وغير العربية، ولا يكون موجهاً ضد أي طرف. الأمر الذي سيتطلب تصميم عملية مرنة وتدريجية تسمح للدول المعنية بالمشاركة في الموضوعات التي تمثل أولوية بالنسبة لها، وفي التوقيت الذي يناسبها، على أن تتجمع في نهاية المطاف جميع الجهود والنشاطات في عملية مستوحاة من تلك التي نتجت عنها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (مقالي في 17 أبريل - نيسان الماضي).
ولا يخفي على أحد أن تركيز الولايات المتحدة على الصين، وآسيا بصفة عامة، تسبب في انخفاض اهتمامها التقليدي بكل من أوروبا والشرق الأوسط. ولكن مع اندلاع الأزمة في أوكرانيا، أدركت الولايات المتحدة أهمية دعم تحالفاتها وصداقاتها التقليدية في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في تلك المنطقتين، وذلك لتأكيد زعامتها للمعسكر الغربي، وإثبات أنها ما زالت مهتمة بالقيام بدور رئيسي في ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة كحليف وصديق يمكن الوثوق به، خاصة بعد الانسحاب الكارثي من أفغانستان. وهو أمر تزداد أهميته في إطار ما يبدو من إقدام واشنطن على مواجهة ممتدة مع روسيا، وربما الصين.
فضلاً عن ذلك، وفي ضوء قرار إدارة بايدن دعم الاتفاقات الإبراهيمية لتحقيق قدر أكبر من الاستقرار في المنطقة، فإن عقد قمة للدول التي لها علاقات مع إسرائيل سيكون أمراً مفيداً، كما أن مثل هذه القمة توفر مناسبة للتأكيد على التزام الإدارة المعلن بصيغة حلّ الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. الأمر الذي يصبّ في النهاية في صالح هدف تأكيد اهتمام واشنطن بالقيام بدور في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. لكن كما هي القاعدة العامة في السياسة، الانطباعات أهم من الواقع والنتائج الملموسة.
خلاصة القول إن لدى واشنطن وتل أبيب مصلحة واضحة في عقد مثل هذه القمة. ومن ثم، فإن السؤال المطروح على الدول العربية هو؛ ما مصلحة الدول العربية المعنية في عقد مثل هذه القمة؟
المصلحة الوحيدة ربما تكمن في أن القمة توفر فرصة للتعبير عن شواغلهم بشكل مباشر لرئيس الولايات المتحدة، ليس فقط ما يتعلق بالبيئة الأمنية الإقليمية، بما في ذلك حول سياسات كل من إيران وتركيا وإسرائيل، وإنما أيضاً ما يتصل بتداعيات الأزمة الأوكرانية على مصالحهم. ما يتعدى ذلك سوف يعني الدخول في منطقة محفوفة بالمخاطر.
فيتعين على الدول العربية المعنية تجنب الانخراط في عملية تهدف إلى إنشاء هيكل أمني إقليمي للشرق الأوسط قبل التشاور فيما بينها. الأمر الذي يستلزم إجراء مشاورات بشأن تحديد التهديدات المشتركة، واختيار نموذج الهيكل الإقليمي الذي يصون مصالحها الأمنية، بالإضافة إلى الاتفاق على كيفية التعاون فيما بينها في إنشاء آليات من شأنها تعزيز قوتها التفاوضية إزاء الدول الإقليمية الأخرى التي ستكون في نهاية المطاف جزءاً من الهيكل الأمني الإقليمي.
* سفير مصري ومسؤول أممي سابق