انخفضت أسعار أسهم كثير من كبرى الشركات العام الحالي، بعضها بشكل طفيف. فقد انخفضت أسهم «أبل»، و«غوغل» بأكثر من 6 في المائة، والبعض الآخر بشكل هائل، حيث فقدت شركة «ميتا»، الشركة الأُم لموقع التواصل «فيسبوك»، وشركة «نتفيلكس» نحو ثلث قيمتها منذ بداية العام الجديد.
ونظراً إلى أن ارتفاع أسهم شركات التكنولوجيا قد أدى إلى ارتفاع سوق الأسهم في عام 2021، فقد ساهم انخفاضها بالتالي في هبوط السوق. وانخفض مؤشر «S & P500» بنحو 7 في المائة في عام 2022.
سبب خوف المستثمرين واضح: فيروس «أوميكرون»، والتضخم، وارتفاع أسعار الفائدة المحتمل، والحرب في أوروبا، وهيمنة قوى غير متوقعة على الاقتصاد العالمي، لذلك من المتوقع حدوث مشكلات في المستقبل لبعض كبرى الشركات في العالم.
لكن في الأسابيع القليلة الماضية، عندما أعلنت الشركات عن أدائها المالي للأشهر الأخيرة من عام 2021، فقد وجدت صعوبة في التركيز على ما قد يحدث الآن من أخطاء في صناعة التكنولوجيا.
فيما يخص «أمازون» و«أبل» و«غوغل» و«مايكروسوفت» الشركات الأميركية الأربع التي تبلغ قيمة كل منها الآن أكثر من تريليون دولار (في الواقع، مايكروسوفت تتجاوز تريليوني دولار، و«أبل» ما يقرب من 3 تريليونات دولار)، فقد أعلنت عن نمو تُحسد عليه في عام 2021، حتى أرباح «فيسبوك» المخيِّبة للآمال كانت نسبية مقارنةً بفتراتها السابقة، حيث نمت أرباح الشركة بنسبة 35 في المائة في عام 2021، مقارنةً بنمو 60 في المائة في عام 2020.
لذا فإن القصة الكبرى هي أنه بعد كل ما حدث بشكل صحيح خلال الوباء بالنسبة لكبرى الشركات في مجال التكنولوجيا، يبدو أنهم الآن على استعداد لتوسيع نطاق تأثيرهم على بقية قطاعات الاقتصاد، بدلا من التخلي عنه.
ربما لن تكون مفاجأة أن تحقق كبرى شركات التكنولوجيا أداءً جيداً خلال فترة الوباء الذي جعل الكثيرين منّا يقضون وقتاً أطول مع التكنولوجيا. ولذلك فإن حجم نموها مذهل.
حسب شيم غرتنبيرغ، المحرر بموقع «ذا فيرج»، فقد نمت عائدات «أبل» بأكثر من 90 مليار دولار في عام 2021، أي أكثر من ثلث إيراداتها في عام 2020، وذلك على الرغم من النقص العالمي في رقائق الكومبيوتر. كانت مبيعات «أمازون» في عام 2021 أكبر بنسبة 67 في المائة مما كانت عليه في عام 2019، العام الذي سبق الوباء، وكانت أرباح «غوغل» لعام 2021 أعلى بنسبة 60 في المائة تقريباً مما كانت عليه في عام 2019.
لقد استهلكتً قاموس المرادفات الخاص بي في البحث عن صيغ التفضيل للتأكد من صحة هذه الأرقام المدهشة. كانت هذه بالفعل من بين كبرى الشركات الموجودة على الإطلاق. ففي عام 2018، أصبحت شركة «أبل» أول شركة أميركية تصل إلى رقم تريليون دولار في السوق. وليس من المفترض أن تنمو الشركات بهذا الحجم بالسرعة التي نمت بها. فلسنوات، كان النقاد يتوقعون أن يواجه عمالقة التكنولوجيا في النهاية ما يسمى «قانون الأعداد الكبيرة». ومع ذلك، تواصل شركات التكنولوجيا الكبرى خرق القانون.
ما الذي يدفع النمو المذهل لعمالقة التكنولوجيا؟ لا يقتصر الأمر على أن الوباء أدى إلى زيادة استخدام التكنولوجيا. أعتقد أن الصفقة الكبرى هي أن الوباء أوضح مقدار المساحة المتبقية في حياتنا لإضافة المزيد من التكنولوجيا، وذلك لكي تصبح شاشاتنا البوابة الرئيسية التي تلتقط من خلالها حفنة من الشركات جزءاً من كل ما نقوم به.
ضع في اعتبارك، على سبيل المثال، «خدمات أبل» التي تتضمن «أبل ستور» و«أبل باي» و«أي كلاود» والاشتراك في الموسيقى والتلفزيون. تقليدياً، حققت «أبل» مبلغاً ضخماً من المال من بيع الأجهزة. لكن مبيعات «آيفون» ارتفعت وانخفضت على مدى نصف العقد الماضي، وهذا أمر منطقي. في النهاية، كل من يريد «آيفون» سيحصل عليه، ومع كل جهاز «آيفون» جديد أفضل قليلاً مما سبقه، سيكون لدى الأشخاص أسباب أقل للترقية لطراز أعلى. في الواقع، نمت مبيعات «آيفون» خلال فترة العطلة الربع سنوية لشركة «أبل» في عام 2021 بنسبة 9 في المائة خلال عام 2020. صحيح أن النمو كان قوياً، لكن ليس بقوة النمو الذي شهدته «أبل» مع «آيفون».
وهكذا تحولت «أبل» بشكل متزايد إلى الاشتراكات والخدمات الأخرى عبر الإنترنت من أجل النمو، وهي طريقة أساسية للنمو ليس فقط عن طريق بيع المزيد من أجهزة «آيفون»، لكن عن طريق الحصول على المزيد من الأموال من كل مستخدم «آيفون». من الواضح أن الخطة تعمل بشكل مذهل، إذ ذكرت شركة «أبل» أنه خلال عام 2020، نمت فواتير «أبل ستور» وإيرادات المبيعات بنسبة 24 في المائة مقارنةً بالعام السابق. وأخبر لوكا مايستري، المدير المالي لشركة «أبل»، المستثمرين الشهر الماضي بأن الشركة لديها الآن 785 مليون مشترك مدفوع في عروضها المختلفة، وهو رقم نما بمقدار 165 مليوناً في العام الماضي. لنضع أيضاً نُصب أعيننا أن لدى «نتفيلكس» إجمالي 222 مليون مشترك.
أنت ترى اتجاهاً مشابهاً في جميع نطاقات الصناعة، فدور شركة «Big Tech» لا يقتصر على اكتساب المزيد من العملاء لأعمالها التجارية التقليدية فحسب، بل تعمل أيضاً على توسيع أعمالها الإضافية بطرق تبدو مستحيلة. أما «أمازون»، على سبيل المثال، فهي ليست مجرد بائع تجزئة لا يُقهر وأكبر مزود للخدمات السحابية (يبلغ معدل إيرادات الأعمال السحابية «Amazon Web Services» الآن 71 مليار دولار أميركي). وكشفت الشركة أيضاً أن نشاطها الإعلاني قد حقق إيرادات بلغت 31 مليار دولار في عام 2021، بينما ذكرت «مايكروسوفت» أن إيرادات إعلاناتها تجاوزت 10 مليارات دولار. وهنا عليك أن تتذكر أن الإعلانات تمثل جزءاً صغيراً من الأعمال التجارية لكلتا الشركتين - نشاط إعلانات «أمازون» 31 مليار دولار لا يمثل حتى 10 في المائة من إيراداتها السنوية - ورغم ذلك، فهو يتفوق على الشركات التي يقتصر نشاطها التجاري بالكامل على الإعلانات بشكل أساسي (على سبيل المثال، شركة «سناب» حققت 4 مليارات دولار من العائدات في عام 2021، وشركة «Pinterest» باعت أقل من 2.6 مليار دولار من الإعلانات).
كتب دان آيفز وجون كاتسينغريس، المحللان في شركة «ويدبوش» للاستثمار والأوراق المالية، في تقرير حديث، أن ما نراه الآن هو مجرد بداية انفجار طويل الأجل في أرباح التكنولوجيا. لقد قدروا أن الشركات ستنفق تريليون دولار على الخدمات السحابية خلال السنوات القادمة، مما يعني أن هناك مساحة أكبر لشركات التكنولوجيا لمواصلة النمو. ويقدر آيفز أن أعمال «خدمات أبل» وحدها قد تصل قيمتها إلى 1.5 تريليون دولار. وقد أطلق هو وغيره من النقاد على الازدهار الاستثماري القادم في مجال التكنولوجيا اسم «الثورة الصناعية الرابعة».
ورغم أن هذا يبدو عظيماً، فإنه من الصعب رؤية ما يعترض طريق شركات التكنولوجيا الكبرى. فقد أعرب المشرعون والمنظمون عن قلقهم بشأن القوة السوقية العملاقة للتكنولوجيا، ولكن مع اقتراب الانتخابات النصفية وما زال الجمهوريون والديمقراطيون على خلاف حول ما يجب فعله بالضبط للحد من قوة عمالقة التكنولوجيا، قد تتقلص نافذة سياسة مكافحة الاحتكار الجديدة.
هنا أتساءل عما إذا كنا سنقول بعد بضع سنوات من الآن إننا لم نكن نفكر بشكل كافٍ في توقعاتنا بشأن مستقبل شركات التكنولوجيا الكبرى؟
خدمة «نيويورك تايمز»
7:38 دقيقه
TT
حول مستقبل شركات التكنولوجيا الكبرى!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة