جاءت دعوة الرئيس الأميركي لنظرائه قادة دول مجلس التعاون الخليجي لعقد اجتماع في كامب ديفيد إثر التوصل لاتفاق إطاري حول البرنامج النووي الإيراني، وما صاحب ذلك من قلق لدى دول الخليج مردّه ما يمكن أن ينتج عن أي اتفاق نهائي من آثار وتداعيات على التوازنات الإقليمية، خاصة أن إيران تتمدد بشكل عبثي في مناطق عدة من العالم العربي، لكن بحكم الجغرافيا السياسية يظل تزايد نفوذها يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن دول الخليج في المقام الأول.
انعقاد القمة أمر إيجابي وطبيعي، وهي تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تسارعًا في وتيرة الأحداث، لا سيما على صعيد الحرب على الإرهاب (اليمن، سوريا، العراق)، والأمن الإقليمي. والأهم من هذا وذاك أن القمة تأتي في إطار مسعى أميركي لرسم إطار عام للعلاقة مع دول الخليج وفق منطلقات وفرضيات جديدة مختلفة نسبيًا عن الأسس التقليدية التي قامت عليها العلاقة بين واشنطن والعواصم الخليجية خلال العقود الماضية. السؤال الأهم يدور حول ما يمكن أن يتمخض عن هذه القمة من نتائج، وما إذا كان بمقدور واشنطن طمأنة حلفائها الخليجيين حول الدور المرتقب لإيران في الشؤون الإقليمية، ومدى التزام واشنطن المستقبلي بأمن المنطقة.
ثمة شكوك كبيرة، ومبررة، تدور في ذهن صانع القرار الخليجي حول أولويات السياسة الخارجية الأميركية في الفترة الأخيرة، وأنها لم تعد تلتزم بأمن المنطقة كما كانت في السابق؛ بل على العكس من ذلك سعت الولايات المتحدة إلى إبرام اتفاق مع إيران تصبح بموجبه الأخيرة قوة نووية كامنة ويتم رفع العقوبات الاقتصادية عنها، ولا بد أن يصاحب ذلك دور سياسي أكبر في الشؤون الإقليمية، وهذا في حد ذاته أمر مقلق لدول الخليج.
ووفقًا لفرضيات «المعضلة الأمنية» (Dilemma Security) في العلاقات الدولية فإن زيادة قوة طرف منافس وإحساسه بالأمن تترجم تلقائيًا إلى نقصان في قوة الطرف الآخر ونقصان في إحساسه بالأمن، مما يدفع الطرف الأخير إلى محاولة موازنة ذلك بكل الوسائل الممكنة، وهو ما ينطبق على الحالة الخليجية في ظل التوتر وعدم الثقة بين دول الخليج وإيران من ناحية، وغياب نظام أمن إقليمي فاعل من ناحية أخرى.
يجب على صانع القرار الخليجي إدراك أن واشنطن حسمت أمرها في ما يتعلق بمستقبل علاقاتها مع طهران، وقررت أن العداء المتفاقم بينهما منذ عام 1979 يجب ألا يستمر، لأنها تريد دمج إيران في «الاستراتيجية الكبرى» التي تبنتها مؤخرًا في الشرق الأقصى، إضافة إلى التعاون معها في القضايا الشرق أوسطية، بدلا من معاداتها، مدركة في ذلك ما لإيران من ثقل إقليمي ومكانة جيوستراتيجية مهمة. يقابل ذلك تراجع انتقائي واسع في الدور الأميركي في المنطقة العربية، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأميركي، في مقابلة مع الصحافي في جريدة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان، من أنه على هذه الدول القيام بدور أكبر لحل القضايا والأزمات الإقليمية، مطالبًا إياها في الوقت ذاته بمعالجة مشاكلها الداخلية، في ربط غريب لا يبدو منطقيًا من ناحية سياسية.
هذا يقودنا للقول إن فرصة تحقيق اختراق في هذه القمة غير مضمونة. وسيكون الهدف الأميركي من عقدها هو السعي لتسويق الاتفاق النووي مع إيران، ومحاولة وضع أسس جديدة للعلاقة مع دول الخليج تحاول من خلالها واشنطن خلق إطار جديد للتعاون، قد لا تكون طهران طرفًا فيه، لكنه لن يكون على حسابها. ومن غير المستبعد أن تحظى دول الخليج بدعم أميركي واضح في بعض الملفات، خاصة في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب وتقوية قدرات هذه الدول الدفاعية. لكن واشنطن ستنأى بنفسها عن الدخول في الصراعات الإقليمية، وستترك القوى الإقليمية إزاء بعضها الآخر، متجاهلة عن قصد حقيقة أن التوتر الذي تشهده المنطقة والمشاكل التي تعانيها هي في جزء منها صنيعة أميركية، وهو ما سماه البعض «الفراغ الاستراتيجي المدروس» من قبل الولايات المتحدة. يعزز من تلك الفرضية تراجع اعتماد الاقتصاد الأميركي على النفط الخليجي، إذا ما قورن بفترة التسعينات وما قبلها، حتى وإن بقي التزام أميركا قويًا لحماية الممرات المائية في المنطقة التي تعتبر شريانًا مهمًا للتجارة الدولية، لكن دون تدخل مباشر في الأزمات الإقليمية.
إذن الخيارات أمام دول المنطقة محدودة، وأهمية العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن لا مساومة عليها، ولا أعتقد أن دول الخليج بصدد «استدارة خليجية» للبحث عن بديل لواشنطن لأسباب عديدة، إنما يتوجب على هذه الدول توثيق علاقاتها الاستراتيجية مع القوى الأخرى الفاعلة على الساحة الدولية، فيما يظل الخيار الأمثل والأكثر منطقية هو تعزيز التعاون الجمعي العربي بشكل مؤسسي من أجل خلق نظام إقليمي عربي في كل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية، توظف بموجبه الدول العربية ما تملكه من موارد بشرية وعسكرية واقتصادية لإعادة صوغ التوازنات الإقليمية، الأمر الذي إذا ما تم فإنه سيجبر القوى الأخرى على تغيير حساباتها تجاه المنطقة، في الوقت ذاته الذي يعزز فيه قدرة الدول العربية على إيجاد حلول سياسية لقضايا المنطقة، ويعزز من منظومة الأمن القومي العربي الجماعي، ويساعد على مواجهة التحديات الأمنية القائمة في منطقة الخليج، وغيرها من بؤر التوتر في العالم العربي.
* مستشار الأمين العام
لجامعة الدول العربية
14:11 دقيقه
TT
القمة الخليجية ـ الأميركية: نحو إطار جديد للتعاون
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
