وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

ماذا تعرف عن أكبر حقل للغاز الصخري خارج أميركا؟

قبل أن تعلن شركة «أرامكو السعودية» يوم الاثنين التاسع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) بدء تطوير حقل الجافورة للغاز، لم يكن الكثيرون منا يعرفون شيئاً عن الجافورة، تلك المنطقة الصحراوية الواقعة شرق حقل الغوار، أكبر حقل منتج للنفط الخام في العالم.
ولهذا؛ اسمحوا لي أن اشرح لكم قليلاً عن الحقل وكثيراً عن ماذا سيعني لمستقبل السعودية.
السعودية بلد معروف بأنه أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم، ولديها احتياطي ضخم من الغاز يجعلها من بين أعلى عشر دول في العالم في الاحتياطي، ولكنها لسوء حظها أو لحسنه (حسبما يرى المختصون) لا تستطيع التوسع في إنتاجه؛ لأن هذا الغاز مصاحب للنفط؛ ولهذا لا يمكن إنتاجه من دون إنتاج النفط، بينما تنعم دول أخرى مثل قطر بغاز غير مصاحب بالإمكان إنتاجه من دون الحاجة إلى استخراج النفط.
ولأن الغاز أصبح مهماً لمستقبل المملكة كان لا بد لـ«أرامكو السعودية» أن تجد حلولاً. والسبب في أهميته تكمن في أمرين، الأول هو أنه لقيم لصناعات مهمة مثل البتروكيماويات، والآن أصبح عاملاً مهماً لنجاح استراتيجية الطاقة النظيفة، حيث سيتم إنتاج نصف الكهرباء في المملكة بالاعتماد على الغاز في حين سيتم إنتاج النصف الآخر من مصادر متجددة مثل الشمس والرياح.
والبداية كانت مع حلم تحول إلى كابوس وهو حلم استخراج الغاز من الربع الخالي، ذلك المشروع الذي تمت دعوة شركات عالمية إليه مثل «شل» و«توتال» و«لوك أول» الروسية و«ساينوبك» الصينية، وانتهى الأمر بالجميع إلى مغادرة الربع الخالي من دون إنتاج ذرة واحدة من الغاز؛ لأن الغاز كان من النوع الحامض الذي يقع على أعماق بعيدة وكانت تكلفة إنتاجه عالية وطريقة استخراجه مرهقة؛ لأنه يؤثر على الأنابيب نظراً لحموضته.
ثم اتجهت «أرامكو» إلى حقول الغاز البحرية والبرية مثل الفاضلي وحصبة والعربية وكران وغيرها وبدأت تنتج منها. ولكن مع نمو الطلب السنوي على الكهرباء والتي أصبحت تستهلك الكثير من النفط الخام والمواد البترولية كان لا بد لـ«أرامكو» من البحث عن حل أقوى، ومن هنا اتجهت البوصلة إلى الغاز في الجافورة والذي يعدّ غازاً غير تقليدي أقرب في طبيعته للغاز الصخري الذي يتم إنتاجه في الولايات المتحدة.
هذا الغاز الصخري في الجافورة لم يكن بوسعنا إنتاجه لولا أن الولايات المتحدة سبقت العالم إليه؛ ولهذا اعتمدت «أرامكو» على التقنية التي توصلت إليها الشركات الأميركية التي تنتج هذا الغاز في أحواض مثل البريميان والمريسيليس وغيرها.
الأمر الآخر الذي ساعد الشركة على الإنتاج التجاري منه هو تحسن تكلفته؛ إذ إن إنتاج هذا النوع من الغاز مكلف، ولكن رغم «أرامكو» لم تعلن عن تكلفة إنتاجه، فإنها أوضحت أن التكلفة انخفضت كثيراً عن ما كانت عليه في عام 2014، حيث انخفضت تكلفة حفر الآبار بمفردها بنحو 70 في المائة. وبالنسبة للمملكة، فإن التكلفة لا تقاس بالإنتاج، بل بتكلفة حرق النفط لإنتاج الكهرباء؛ ولهذا مهما كانت تكلفة إنتاج الغاز سوف تكون مجدية بعشرات المرات عن تكلفة حرق برميل نفط سعره اليوم 80 دولاراً.
من هنا كان حوض الجافورة الذي يعد اليوم أكبر حوض للغاز الصخري خارج أميركا مهماً. ولكن الأهمية الكبرى له هي في المستقبل عندما يساعد الغاز من هذا الحقل على توفير المزيد من الدخل للمملكة في صور مباشرة، مثل تحرير نصف مليون برميل من النفط كان ممكناً حرقها للكهرباء، أو من خلال التصدير المباشر لنحو 630 ألف برميل يومياً من المكثفات التي تخرج من الحقل، وهذه المكثفات وحدها مهمة جداً؛ إذ إنها من أخف أنواع النفط وأعلاه في السعر. وتعادل هذه الكمية من مكثفات الجافورة كافة إنتاج قطر من النفط ونحو نصف إنتاج عُمان أو أعلى بقليل.
أما الدخل غير المباشر فهو من خلال توفير المزيد من اللقيم للصناعات أو من خلال استخدام هذا الغاز في إنتاج الهيدروجين الأزرق والذي سيكون وقود المستقبل الذي ستصدره المملكة.
بالأخير، لم أكن أتخيل أن تجربة الجافورة التي سمعت عنها في 2012 ستتحول إلى قصة نجاح اليوم. والنجاح الأهم هو أن الغاز في الجافورة يصل إلى 200 تريليون قدم مكعب، وهذه كمية قليلة مقارنة بالغاز الصخري في الصين وأميركا والجزائر وكندا والأرجنتين والمكسيك، ولكن السعودية سبقت الجميع بعد الولايات المتحدة وتمكنت من أن تكون ثاني أكبر دولة منتجة له في المستقبل القريب وتحافظ على ثروتها النفطية.