لا يختلف أحد في أن أفضل التجارب التي أفرزتها المجالس الوحدوية العربية، هي تجربة مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذا المجلس ظل تحت سهام النقد من أهل الخليج؛ نادراً ما يرضون عن أدائه، وغالباً ما يقللون من فائدته، وكثيراً ما يعتبرون أنهم لم يستفيدوا، كمواطنين، من هذا المجلس كما ينتظرون. والحق معهم في هذا، فأداء المجلس لم يرضَ عنه حتى الزعماء الخليجيون أنفسهم، الذين يعتبرون تطلعات مواطنيهم مهما علت حقاً مشروعاً، فلما هبّت «عاصفة الحزم»، برزت الأنياب الخليجية في وجه الحوثيين، وإيران، وارتفعت أسهم المجلس التعاوني، بعد أن كانت في أدنى مستوياتها.
وبغض النظر عن التحفظ العماني في المشاركة في «عاصفة الحزم»، واختيارها الحياد في قضية تمسّ الأمن القومي لدول المجلس، فإن دول المجلس الخمس اختارت أن تقدم مصلحتها العليا، وتتسامى عن خلافات حدثت بينها في وقت سابق، أو لنقل تجمّدها، وهذا دليل على حسّ المسؤولية العالي الذي تتمتع به هذه الدول تجاه أمنها ومواطنيها، بل يمكن القول إنه يحسب لدولة قطر أنها وعلى الرغم من خلافاتها السابقة مع ثلاث دول خليجية، لكنها لم تناكف هذا التحالف لتشق الصف الخليجي، فهي تعي أن مصلحتها كعضو فاعل وأساسي في مجلس التعاون الخليجي، أن لا تنقضّ ميليشيا الحوثي على الشرعية في اليمن، فما إن يدخل اليمن في الفوضى وتتآكله الحرب الأهلية وتتمدد إيران، فالجميع ليس ببعيد عن الخطر والكل متضرر، لا فرق بين من له حدود مع الدولة اليمنية كالسعودية وعمان، أو من هم بعيدون عنها كالإمارات وقطر والبحرين والكويت، عندما تحل الفوضى ستنتشر انتشار النار في الهشيم، وكل دول الجزيرة العربية سينالها نصيب منها.
دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء عمان، قدمت نموذجاً متكاملاً للعمل الجماعي وتوجته بتحالف من 10 دول لطرد ميليشيا الحوثي وتثبيت الشرعية، هذا النموذج يذكرنا بتحالف دول الخليج في «عاصفة الصحراء» عام 1990، الذي ساهم في طرد قوات صدام حسين من الكويت، ومتى ما استغلت دول الخليج هذا التحالف في البناء عليه للحفاظ على أمنها واستقرارها، فسيكون أكبر دافع لإقناع مواطنيها بأن هذا المجلس، ليس فقط مجلساً خدماتياً كما تراه شريحة واسعة من الخليجيين، وإنما تجمع يقوى عاماً بعد الآخر، وتصقله السنون تماسكاً واندماجاً، وإذا كانت قوات «درع الجزيرة» من أفضل التجارب التي خرج بها المجلس، وساهم فعلياً في تحرير الكويت، والحفاظ على استقرار البحرين بإفشال المشروع الإيراني سيئ الذكر عام 2011، فإن تحالف «عاصفة الحزم» مطالب بأن يستمر سواء كنواة للقوة العربية المشتركة، أو حتى كتحالف عسكري وأمني يدافع عن أمن دول المجلس واستقرارها.
مجلس التعاون كشّر عن أنيابه، والرسالة - وإنْ تأخرت كثيراً - فقد وصلت للقابعين في طهران، الخوف كل الخوف أن تتكسر هذه الأنياب فجأة، بحميمية في علاقات بعض الدول مع إيران، وفي توقيت غير مناسب أبداً.
مفهوم أن بعض الدول الخليجية لا تستطيع مواجهة إيران بالقوة والوضوح كما تفعل السعودية، فلكل دولة دورها، لكن أيضاً غير مفهوم وغير مقبول أن تتمادى في تعزيز علاقاتك مع دولة تعاديك، وتستهدف أمنك واستقرارك.
TT
الأنياب الخليجية ضد الحوثيين وإيران
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة