وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

مشكلات سوق العمل السعودية لم تنتهِ بعد

قبل 11 سنة بالتحديد، كتبت مقالاً عنوانه «السعودي والألف ريال»، كنت فيه ضد تحديد الأجور في السعودية، وكيف أن سوق العمل هي التي يجب أن تحدد الأجور بناء على قانون العرض والطلب. فاجئني بعدها وزير العمل الراحل الدكتور غازي القصيبي برسالة خطية منه، يشكرني فيها على الطرح الذي ذكرته، مما عزز لديَّ الاعتقاد بأني مدرك للمشكلة والحلول.
منذ ذلك الوقت، ونحن نشاهد كثيراً من التشريعات التي اتخذتها الدولة لحل مشكلات العمل، وكثيراً من المبادرات والاستثمارات الضخمة من أجل هذا الهدف. ولكن بعد كل هذه السنوات، لا زلت أجد أن المشكلات القديمة تمت معالجتها، مثل الحد الأدنى للأجور، ولكن هناك مشكلات أخرى استجدت، وهي تحتاج إلى علاج جديد.
ما الذي يجعلنا في صراع دائم مع مشكلات سوق العمل على الرغم من كل هذه الجهود؟ إجابتي على هذا السؤال هي من واقع تجارب كثيرة خضتها، وقد يتفق معي بعضهم وقد لا يتفق، فلكل إنسان تجربته الشخصية مع سوق العمل.
أولى هذه المشكلات هي أن سوق العمل هنا ليست سوقاً حرة، وهذا الأمر قد ذكرته منذ 11 عاماً، وما زالت المشكلة قائمة، وعلى الرغم من أن وزارة العمل بنسخها المختلفة وبرامجها المتعددة بذلت جهوداً كبيرة، من خلال دعم التوظيف فنياً ومادياً، سواء تحت مبادرات صندوق تنمية الموارد البشرية أو غيرها، فإن هناك تشوهاً في كيفية تحديد الأجور في السوق.
وإذا نظرنا للقطاع الخاص، فإنه يعاني كثيراً للحفاظ على المواهب، في الوقت الذي تستقطب فيه المشاريع الحكومية والشركات المملوكة للدولة كماً هائلاً من المواهب، مما أدى إلى تسرب وظيفي كبير وفوارق في الأجور يصعب جداً على القطاع الخاص مجاراتها. ولهذا أصبح هناك سوقان للعمل في وقت واحد: الأول سوق عمل للقطاع الخاص، والآخر للقطاع الحكومي، ولكل سوق ديناميكية وقواعد خاصة به ومعدل للأجور. وهذا الأمر ملحوظ في الشركات المساهمة، حيث يتم الضغط على التكاليف لتحقيق الأرباح، في الوقت الذي تتحرر في الشركات الحكومية من هذا الضغط من قبل المساهمين.
المشكلة الثانية هي الثقافة السائدة التي تجذرت في المجتمع السعودي ولم تتبدل كثيراً؛ لا يزال هناك اعتقاد عند كثير من المتخرجين أن شهاداتهم الجامعية تعني الكثير. وفي الحقيقة، في ظل المخرجات الحالية للجامعات، فإن الشهادة لا تعني شيء سوى أن المتخرج لديه حد أدنى من المعلومات، وليس المهارات، فالمهارات هي في آخر أولويات المؤسسات التعليمية في المملكة، إذا ما استثنينا بعض الجامعات الأهلية التي تركز على المهارات. فمن خلال خبرتي المتواضعة، شاهدت كثيراً من المتقدمين على وظائف تقنية متقدمة في علم البيانات والذكاء الاصطناعي، ولكنهم يجهلون مبادئ البرمجة في لغات مهمة مثل «سي شارب» و«بايثون» وغيرها. ولحل هذه المشكلة، قدمت كثير من الجهات برامج تدريبية مجانية في هذه المجالات، ولكن الأثر غير ملموس لأن التدريب يتم من دون أن يكون للمتدرب وجهة واضحة في سوق العمل ليستفيد من هذا المهارات. وهنا، يبدأ المتخرج بالمطالبة بالوظيفة من دون أن يكون لديه المهارة.
المشكلة الثالثة شح المعروض في مجالات كثيرة، مما جعل الطلب عليها عالياً، ورفع سقف أسعار المؤهلين في هذه المجالات، وبعض هذه المجالات أصبحت تعاني بسبب السعودة، وإلغاء توظيف الأجانب بها، وكان من المفترض أن تكون السعودة خطوة لاحقة عندما يتشبع سوق العمل، ويكون العرض مواكباً للطلب. ولكن استعجال تطبيق السعودة جعل العرض من المؤهلين أقل، فزاد من تكاليف الأجور بصورة غير مستدامة.
المشكلة الرابعة ضعف التأهيل بسبب ضعف المخرجات الجامعية، مما يجعل تكلفة تشغيل المواطنين عالية، نظراً لأن التكاليف تشمل التدريب لفترة طويلة من الوقت. وإذا استمعنا لبرنامج هدف، فإنهم يرون أن المشكلة تم معالجتها من خلال برنامج تمهير، أو برنامج الدعم الوظيفي لمدة عامين. وفي الحقيقة، هذا البرنامج على الرغم من أنه نظرياً مناسب جداً، فإن التطبيق في الواقع معقد لأن المتدرب يريد الحصول على تدريب، ثم الانتقال لوظيفة أخرى، وفي كثير من الحالات تقوم الشركات بالتوظيف من دون رغبة حقيقة في الحفاظ على الموظف.
المشكلة الأخيرة هي ضعف الولاء للمنشآت من قبل الموظفين نظراً لأن الكل يقارن بين القطاع الخاص والقطاع العام باستمرار، وهذه المقارنة تولد حالة من عدم الرضا دائمة.
إذن، ما هو الحل؟ باختصار، الحل ليس عند وزارة الموارد البشرية، بل عند وزارة التعليم؛ والأخيرة أمامها مشوار طويل جداً للانتقال من تعليم الشهادات إلى تعليم المهارات.