عندما افتتحت دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو، الجمعة، بنداء أسماء الدول، تسنى للجماهير الاستماع إلى درس في الجغرافيا لا يتاح إلا مرة واحدة فقط كل أربع سنوات. يستخدم معلمو المدارس تسجيل إعادة الحفل لإرشاد الأطفال حول أعلام دول العالم، وتحديهم للعثور على بلدان بعينها على الخريطة، والسؤال عن الأماكن التي سمعوا بها.
تكشف نظرة فاحصة لما يسمى «موكب الدول المشاركة» عن بعض الحقائق المدهشة، حيث أمكن ملاحظة رفع ما يصل إلى 207 أعلام في استاد طوكيو الأولمبي، تسير خلف كل علم مجموعات من الرياضيين يرتدون الزي الرسمي الوطني المصمم لتمثيل ثقافة وخلفية أوطانهم. اللافت أن ما لا يقل عن ثلاثة من تلك الأعلام لا ترفع في بلادها وترفع فقط في دورة الألعاب الأولمبية وفي أولمبياد المعاقين. بالمقارنة، تعترف الأمم المتحدة بـ193 دولة منها فقط.
يسلّط هذا التقسيم الضوء على الاختلاف بين الحركة الأولمبية والهيئة العالمية التي يرى معظمها أنها الحَكَم في السياسة الدولية، وتدعو إلى طرح أسئلة حول تعريف القومية. تؤكد «اللجنة الأولمبية الدولية» أنها «السلطة الوحيدة» للاعتراف باللجان الأولمبية لكل دولة، التي تتمثل مهمتها في «تطوير وتعزيز وحماية الحركة الأولمبية في بلدانها». ويعني هذا أن مناطق مثل «ساموا» الأميركية، و«بورتوريكو»، «وجزر فيرجن» البريطانية جميعها لديها لجان عدم ممانعة تسمح لها بالوقوف على نفس المستوى في الألعاب الأولمبية مثل الدول التي تشرف عليها، في هذه الحالة الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.
قد يبدو ذلك واسعاً وفضفاضاً، لكن اللجنة الأولمبية الدولية، ومقرها في لوزان بسويسرا، ليست ديمقراطية تماماً. فبدلاً من ممثل واحد لكل دولة، فهي تتألف من 103 «حراس» للحركة الأولمبية - التي تهدف إلى «المساهمة في بناء عالم أفضل يسوده السلام» - يتم اختيارهم من مجموعة متنوعة من الخلفيات الرياضية. وقد انتخبت اللجان الأولمبية رئيس ألمانيا وبطل المبارزة السابق توماس باخ، رئيساً حالياً للجنة الأوليمبية الدولية، لمدة تصل إلى 12 عاماً. بعض الدول لديها ما يصل إلى ثلاثة أعضاء (مثل الصين والولايات المتحدة وسويسرا) والبعض الآخر لا يوجد لديها عضو في اللجنة.
لم تعد الأمم المتحدة ديمقراطية، بل هي نادٍ خاص يحدد أعضاؤه مَن سينضم إليه. تحصل كل دولة معترف بها على مقعد واحد على الطاولة، لكن يتعين على جميع الأعضاء الالتزام بقرار مجلس الأمن المؤلف من 15 عضواً (لم تشارك 63 دولة في ذلك مطلقاً). وحتى في ذلك الوقت، يمكن استخدام حق النقض (فيتو) ضد أي من المقترحات. الأعضاء الخمسة الدائمون في المجلس هم الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ما يعني أن قواعد السياسة العالمية يحكمها أقل من 3 في المائة من دول الأمم المتحدة.
بصرف النظر عن مَن يتم احتسابه، فللأولمبياد أساليب أخرى. ففي كل مباراة، تدخل اليونان الملعب دائماً أولاً لأنها مسقط رأس الحركة، ثم تأتي الدولة المضيفة أخيراً. وفيما بينهما، يسير العرض بالترتيب الأبجدي، الذي يعتمد حسب التقاليد على لغة البلد المضيف. هذا يعني أنه، وبسبب الطريقة التي تتم بها ترجمة الأسماء الوطنية باللغة اليابانية، ستظهر آيسلندا وآيرلندا قبل أستراليا والنمسا.
هذا العام، سار 29 رياضياً تحت راية ليست خاصة بهم (العلم الأولمبي نفسه) كأعضاء في الفريق الأولمبي للاجئين، وهو مفهوم تم إطلاقه في ريو دي جانيرو في عام 2016 لإعطاء فرصة لأولئك الفارين من القمع والاضطهاد. ومن بين هؤلاء، يسرا مارديني، التي سبحت مع شقيقتها واثنين آخرين وسحبت زورقاً محملاً بزملائها من اللاجئين السوريين، لمدة ثلاث ساعات خلال رحلتهم المنهكة من تركيا إلى اليونان.
جاء المتسابقون الروس بلا جنسية بعدما أدى سجلهم الحافل بتعاطي المنشطات إلى حرمان بلادهم من المشاركة في هذه الألعاب. وبدلاً من ذلك، كان على الرياضيين التقدم للتنافس من خلال مجموعة غير منتسبة للدولة تحت اسم «اللجنة الأولمبية الروسية»، وشعار مشتق من العلم الوطني والأولمبي.
هناك أيضا تايوان. ففي الوقت الحالي، وفي ظل التوترات بين الولايات المتحدة والصين، سيتنافس 68 رياضياً مرة أخرى على كيان يسمى تايبيه الصينية بعلم مصمم لهذا الغرض فقط.
فالضغط الذي تمارسه بكين أدى إلى الخوف من تشكيل الوفد تحت علم تايوان، رغم النظام السياسي الديمقراطي المنفصل لهذه الدولة.
بالنظر إلى موقع الصين كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فمن غير المرجح أن يأتي الاعتراف بتايوان قريباً. وهذا الوضع ليس فريداً من نوعه في الأولمبياد، حيث أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا في عام 2008 واعترفت بها 96 دولة عضواً في الأمم المتحدة، ولكن بشكل حاسم لا تتمتع روسيا (أو الصين) بحق النقض (الفيتو). ومع ذلك، قبلت اللجنة الأولمبية الدولية اللجنة عضوية الأولمبية في كوسوفو في عام 2014. وحصل الفريق الأول في ريو على ميدالية ذهبية في الجودو عن طريق اللاعبة ماجليندا كيلميندي، التي ستحمل العلم الوطني. أيضاً أرسلت فلسطين رياضيين إلى الألعاب الأولمبية منذ عام 1996، أي قبل نحو 16 عاماً من منحها لقب دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة، من دون الاعتراف الكامل بها، وقد تم تسجيل خمسة رياضيين للمنافسة.
من الواضح أن السماح للجنة الأولمبية الدولية بتحديد هوية الدولة لن يقضي على المكائد التي ينطوي عليها الاعتراف؛ فهذا يمنحنا طريقة أخرى للنظر إلى العالم. يجدر بنا أن نتذكر أن الألعاب الأولمبية الحديثة كانت موجودة لمدة نصف قرن أكثر من الأمم المتحدة. ولذلك تدرك اللجنة الأولمبية الدولية كيفية عمل علامتها التجارية الدبلوماسية. في الآونة الأخيرة، سارت كوريا الموحدة تحت علم واحد في دورة الألعاب الشتوية في بيونغ تشانغ في عام 2018، وقد عُرضت على الجمهوريات السوفياتية السابقة مظلة جماعية للمنافسة في عام 1992 بعد تفكك الاتحاد السوفياتي الذي تسبب في تعطيل الهيكل الرياضي الوطني.
بطبيعة الحال، فإن العديد من البلدان موجودة منذ قرون، قبل تشكيل أي من المنظمتين بوقت طويل. كما أن أن سويسرا لم تصبح عضواً في الأمم المتحدة إلا في عام 2002، واستغرقت النمسا وفنلندا وإيطاليا واليابان سنوات. تحدد الهيئات فوق الوطنية متطلباتها للعضوية في مواجهة خطر أن يُنظر إليها على أنها غير ذات صلة أو غير ذات معنى بالنسبة للأشخاص الذين يشكلون الأمم بالفعل.
ليس من المفترض أن تكون الألعاب الأولمبية سياسية، لكنها كذلك ومن الأفضل الاستمتاع بمشهد الألوان والثقافة. فقط انظر إلى عدد الأعلام التي تتعرف عليها، فقد لا تراها مرة أخرى قبل أربع سنوات أخرى.
7:49 دقيقه
TT
الدورة الأولمبية وأسئلة حول تعريف القومية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة