حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

المثليون والأقليات المسلمة في الغرب

«الجالية المسلمة وجالية المثليين ومزدوجي الممارسة الجنسية والمتحولين في بريطانيا يعرفون أن لدينا جميعاً من المشتركات العامة أكثر من المسائل التي تفرقنا؛ يجب ألا يكون للكراهية والفرقة مكان في مجتمعنا»..
هذا نص تغريدة أطلقها مؤخراً الصديق البريطاني السيد أفضل خان، عضو البرلمان البريطاني وزير الهجرة في حكومة الظل في حزب العمال البريطاني. التغريدة أثارت تحفظاً لدى بعض المسلمين في الداخل البريطاني وخارجه.
السؤال المطروح هنا: هل ثمة مشكلة حقيقية للأوروبيين المسلمين الذين قرروا المنافسة على المناصب البرلمانية والحكومية، ورضوا بقواعد اللعبة السياسية والديمقراطية، في أن يؤيدوا إما بالتصريح وإما بالتلميح سياسة أحزابهم في دعم قضايا جدلية في دولهم الغربية، مثل زواج المثليين، أو أن ينحازوا لبعض المواقف السياسية الخارجية التي لا تتوافق مع قناعاتهم الشخصية؟
ليس غاية هذا المقال الجواب عن هذا السؤال الشائك المتشابك، بل الغاية الوعي بالأحوال والظروف المعقدة التي تعيشها الأقليات المسلمة في الدول الغربية، خاصة الفئة التي دخلت معترك الحياة السياسية والقانونية والقضائية، وحتى الإعلامية، وقررت أن تبذل أقصى جهد لتحقيق طموحات الأقلية المسلمة المنافحة عن قضاياها.
لقد فات على كثير من الذين هاجموا الصديق البرلماني أفضل خان حقيقة أن الدخول في عالم السياسة، بمناصبها وبرلماناتها ومؤسساتها ومستحقاتها، له ضريبة عالية، والنكوص عن المشاركة السياسية له ضريبة أشد وأقسى، فكل السياسات والاستراتيجيات العسكرية والأمنية والتعليمية والإعلامية والاجتماعية والحقوقية، ورسم السياسات الداخلية والخارجية، والموقف من القضايا العربية والإسلامية التي لها تأثير مباشر على الأقليات المسلمة، بل العالم العربي والإسلامي، يطبخها السياسيون والقانونيون والإعلاميون والاقتصاديون الغربيون، فإذا لم تدخل الأقليات المسلمة مع «الطباخين» فاتها حتى مرقة المطبوخ. ولقد أدركت الأقليات اليهودية في الغرب هذه الحقيقة، فدخلت المعترك السياسي، ونجحت في تحقيق كثير من مطالبها ومطالب الكيان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي تقديري، فإن أغلب المواقف الاجتهادية للسياسيين المسلمين، من برلمانيين ومسؤولين حكوميين منتمين لأحزاب غربية، لا تنطلق بالضرورة من قناعات شخصية، وإنما من براغماتية فرضها الانتماء الحزبي، ومن شروط اللعبة السياسية أنه لا يمكن الفوز بالترشيحات الوزارية والبرلمانية وغيرها إلا إذا تماهى السياسي المسلم مع أجندة حزبه أو حكومته، مهما خالفت قناعاته الشخصية أو عارضتها الأقليات المسلمة.
وهكذا، ليس كل موقف للساسة المسلمين الغربيين يؤخذ على ظاهره، بل الموقف أكثر تعقيداً مما يبدو للناس، كثير منه يقوم على «فقه الموازنات»، وهذه بالذات يختلف الناس في تقديرها اختلافاً كبيراً. وهذا ليس تبريراً لمواقف هؤلاء الساسة المسلمين من القضايا الجدلية التي تبنوها أياً كانت، ولكنها محاولة لفهم ملابسات هذه المواقف ومنطلقاتها وتعقيداتها.
ويرى عدد من زعامات الأقلية المسلمة في بريطانيا، ممن ناقشتهم مطولاً حول المصلحة الكبرى المتحققة من دخولهم في عالم السياسة والقانون والإعلام والاقتصاد والقضاء والتعليم، أن الدخول في هذا المعترك يستحق كل الخدوش والتنازلات التي تفرضها بعض الموازنات.
ويعزز هذا التوجه قاعدة «ارتكاب أخف المفسدتين لتفويت المفسدة الأكبر».