عرفتُ استخدام النظارات منذ أن كنت في التاسعة عشرة من عمري. كان قصر نظري ضئيلاً للغاية، وكان يمكنني التعامل معه من دون نظارات إن أردت.
على مر السنين، تحرك مؤشر قصر النظر لدي بشكل طفيف ليحوم حول معدل - 1.0، وأجرى الطبيب تعديلاً طفيفاً لدرجات كشف النظارة عندما بلغت منتصف العمر لأعرف متعة العدسات المتنوعة، وتُتاح لي فرصة جديدة للتسوق من أسواق إطارات النظارات.
الآن لا أعرف ما أصاب عينيّ. فبعد أكثر من عام من العمل من البيت والتصاقي بجهاز كومبيوتر محمول، أو سطح مكتب، أو هاتف محمول أو شاشة تلفزيون كبيرة لمعظم ساعات استيقاظي، تغيرت رؤيتي كثيراً عن ذي قبل؛ فقد أصبح هناك ارتعاش متكرر للجفن (يسميه الأطباء «ميوكيميا»)، وهي علامة مبكرة على عدم منحهما قسطاً كافياً من الراحة، أو مؤشر إلى الحاجة إلى الاستغناء عن الكافيين، ثم لاحظت أن نظارتي لم تعد تجلب الراحة الكاملة التي أحتاج إليها.
لكنني لم أكن مستعدة لمعرفة أن قياسات عدساتي الطبية ستحتاج إلى مضاعفة قوتها لتصل إلى - 2.50 في كلتا العينين، وأن رؤية القراءة الخاصة بي قد ساءت أيضاً بشكل كبير. وأفاد طبيب العيون بأن هذا النوع من التدهور في أقل من عامين أمر غير معتاد بالمرة.
أخبرني كيران فياس، اختصاصي البصريات المحلي الذي زرتُه للحصول على إطارات نظارات جديدة، بأنه بات يرى هذا أكثر من ذي قبل، ليس فقط بين البالغين في سن معينة الذين يشكون من بصرهم، بل إن عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى النظارات بات أكثر بكثير من ذي قبل. بعد تلك الزيارة، لاحظت أن زوجي الذي لم يرتدِ نظارات طبية مطلقاً ويصرّ على أن عينيه بخير، يمسك بمواد القراءة الخاصة به كما لو كانت عصا سيلفي، ولذلك اضطررت لأن أحجز موعداً ثانياً، لكن هذه المرة لزوجي.
اتضح أن قصر النظر كان مصدر قلق متزايداً خلال الوباء، خصوصاً بين الأطفال، حيث أفادت دراسة نُشرت في وقت مبكر من العام الحالي في مجلة «جاما أوبثامولوجي»، باستخدام بيانات صادرة عن مؤسسة «فينشنغ» الصينية، بأن قصر النظر لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و13 عاماً قد زاد بما يصل إلى ثلاث أضعاف في عام 2020، مقارنة بالفترة بين 2015 و2019.
قام الباحثون في الدراسة بتحليل ما يقرب من 195 ألف نتيجة اختبار من فحوصات الرؤية المدرسية التي تم جمعها على مدى ست سنوات. ووجدوا أن قصر النظر لا يبدو أنه يزداد سوءاً فحسب، بل بات أكثر انتشاراً أيضاً، حيث وجدوا أن 5.7 في المائة فقط من الأطفال كانوا يعانون من قصر النظر في الفترة من 2015 إلى 2019. بينما قفزت النسبة في العام الماضي إلى 21.5 في المائة. وفي عام 2018، كان 15.2 في المائة من الأطفال في سن السابعة و27.7 في المائة من الأطفال في سن الثامنة يعانون من قصر النظر. وقفزت هذه الأرقام إلى 26.2 في المائة و37.2 في المائة على التوالي في عام 2020.
ومن المثير للاهتمام أن أكبر انخفاض في الانكسار المكافئ الكروي (المستخدم لقياس قصر النظر) قد تم العثور عليه في الأطفال في سن السادسة. ونظراً لأن الأطفال الأكبر سناً تعرضوا لساعات أطول من زمن البقاء أمام الشاشة، فإن ذلك يشير إلى أن العيون الأصغر سناً أكثر حساسية.
استشهد المؤلفون بنتائجهم كأول دليل على أن البقاء في المنزل أثناء جائحة «كوفيد»، وانخفاض النشاط في الهواء الطلق، مرتبط بتدهور البصر. وحثوا على توخي الحذر عند تفسير نتائجهم، نظراً لأن البيانات لا توفر المقدار الدقيق لوقت الشاشة أو العمل عن قرب أو لساعات النشاط في الهواء الطلق للأطفال. ومع ذلك، فإن التغيير في عام 2020 مقارنة بالسنوات السابقة جاء مذهلاً.
أفادت «كلية علم البصريات» في المملكة المتحدة، مؤخراً، بأن أبحاثها وجدت أن ما يقرب من ثلث البريطانيين (31 في المائة) أفادوا بأن بصرهم ساء أثناء الوباء، مقارنة بنحو 22 في المائة أبلغوا عن ذلك في يونيو (حزيران) 2020.
يُعتبر قصر النظر أكثر اضطرابات العين شيوعاً، وسبباً رئيسياً لضعف البصر عند الأطفال، حيث حذرت «منظمة الصحة العالمية» من أن معدل الانتشار آخذ في الارتفاع، ويُتوقع أن يؤثر على 52 في المائة من سكان العالم بحلول عام 2050، لذلك، إذا لم يكن لديك نظارات الآن، فمن المحتمل أن تحتاج إليها قريباً.
يكاد يكون من المؤكد أن الوباء سيؤدي إلى تفاقم هذا الاتجاه، حيث يشير ويليام رينولد، رئيس جمعية البصريات الأميركية، إلى أن الاستخدام المتزايد للأجهزة الرقمية من المرجح أن يؤدي إلى زيادة في إجهاد العين أو غيرها من مضاعفات العين، وأن الجمعية عقدت اجتماعاً طارئاً في مارس (آذار) لدق ناقوس الخطر بشأن صحة عيون الأطفال.
ولهذا كله آثاره الكبيرة على المناطق الفقيرة وعلى العالم النامي أيضاً، لأن قصر النظر يزيد من مخاطر اضطرابات العين الخطيرة والمكلفة، مثل انفصال الشبكية والزرق وإعتام عدسة العين. ويمكن أن يتسبب قصر النظر المرتفع (SER - 5.00 في أي من العينين) في تلف شبكي خطير يمكن أن يؤدي إلى العمى.
بالنسبة لصانعي السياسات والمعلمين الذين يفكرون في التعلم الهجين والتعلم عن بُعد، يتعين عليهم مراعاة تأثير ذلك على البصر، فعادة ما تكون زيادة وقت الشاشة مصحوبة بقلة الوقت في الهواء الطلق ونمط حياة أكثر خمولاً. وتعليقاً على ذلك، قال رينولد في رسالة بالبريد الإلكتروني: «كلما زاد الوقت الذي يقضيه الأطفال في القراءة والدراسة واستخدام أجهزتهم الإلكترونية، قلّ الضوء الطبيعي الذي تتلقاه العين لتتطور بشكل صحيح». وأفادت «منظمة الصحة العالمية» بأن هناك أدلةً على أن قضاء الوقت في الهواء الطلق يمكن أن يقلل من قصر النظر أو يؤخر ظهوره.
يُقدَّر حجم التعاملات بسوق النظارات العالمية بنحو 147 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركَّب يبلغ 8.5 في المائة لمعظم هذا العقد. ورغم أن إغلاق المتاجر الوبائية قد أضر بمبيعات النظارات، فإن المزيد من الأشخاص الذين يحتاجون الآن إلى نظارات أو تغيير قياسات النظارات الطبية في أعقاب «كوفيد» سيعكس ذلك الاتجاه.
أدركتُ بعد فوات الأوان أن رؤيتي المتدهورة قد تكون مرتبطة بكل الأشياء التي لم أرَها العام الماضي: لم أعد أحدق في لوحة مواعيد القطارات عن بُعد، ولم أعد أتجسس على زميل يجلس بعيداً في المكتب، ولم أعد أحدق في الألوان والأشكال المتحركة أثناء التنقل، ولم تعد عيني تتمرَّن على هذه المشاهد منذ فترة.
بالنسبة لأولئك الذين يأملون في البقاء من دون عدسات (أو منع قصر النظر لديهم من التدهور)، فإن اختصاصيي البصريات مغرمون بقاعدة 20 - 20 - 20: كل 20 دقيقة، خذ استراحة لمدة 20 ثانية لمشاهدة شيء على بعد 20 قدماً. لو أنني فعلت ذلك خلال العام الماضي، لكنتُ قد نجوت من التدهور، فضلاً عن توفير تكلفة شراء نظارة جديدة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»