تيريز رافائيل
TT

بريطانيا: تناطح المحافظين وتراكم الديون

بفضل حرفية الإجراءات البرلمانية في بريطانيا، تمكن بوريس جونسون من تجنب مواجهة محرجة مع مشرعين من حزبه بشأن ميزانية حكومة المملكة المتحدة للمساعدات الخارجية. لكن البرلمان كان باستطاعته التنفيس عن هذه القضية، وهناك كثير من الانقسامات الأخرى التي تظهر داخل الحكومة وتيار المحافظين بشأن أولويات التمويل.
وبينما يضع جونسون حزب العمال المعارض في حالة تأهب في الوقت الحالي، فإنه يحتاج أيضاً إلى مراقبة الأعداء المحتملين في الداخل. فغالباً ما تكون العلاقة بين رئيس الوزراء ووزير المالية مشحونة، يمكنك سؤال توني بلير وغوردون براون، وكذلك المسؤول الذي يشغل حالياً منصب مستشار الخزانة العامة، ريشي سوناك، وهو شخصية قوية يتمتع بوجهات نظره في الميزانية، وهي وجهات نظر أكثر صرامة من آراء رئيس الوزراء نفسه.
لم يكن القرار مريحاً، ذلك القرار الذي أقبل عليه 30 عضواً من أعضاء حزب المحافظين في البرلمان، بما في ذلك كثير من الوزراء السابقين في الحكومة، عندما أعلنوا عن استعدادهم لإلغاء التخفيضات في ميزانية المساعدات الخارجية للبلاد، وكذلك استضافة جونسون لقمة «مجموعة السبع» في «كورنويل». وقد حكمت رئيسة مجلس العموم، ليندسي هويل، بأن ذلك التعديل المتمرد باطل، لأنه لم يكن ذا صلة كافية بالمادة التشريعية المعنية.
تجادل الحكومة بأن قانون 2015 الذي يقضي بإنفاق 0.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على المساعدات الخارجية يسمح ببعض التعديل في ظروف استثنائية مثل الوباء، وقد خفضت النسبة إلى 0.5 في المائة.
أرسل الوزراء رسالة ساخرة دفاعاً عن قرار تقليص المساعدات الخارجية تضمنت كلمات مختصرة تقول: «الأقربون أولى بالمعروف». على الجانب الآخر، يقول معارضو التخفيض إن هذه الخطوة لا تستحق الألم الذي ستسببه، ويجادلون بأنه من أجل توفير 4 مليارات جنيه إسترليني (5.7 مليار دولار) من المدخرات، فإن بريطانيا تخذل المحتاجين في الخارج، بعد أن تعهدت بمساعدتهم وتكسر التزامها وتضحي بالقوة الناعمة التي تأتي من كونها مانحاً رئيسياً وتزيد من فرصة سد الصين لفجوة التمويل.
لن تختفي المشكلة حيث سمحت هويل للنواب بمناقشة طارئة استمرت 3 ساعات، حول هذا الموضوع حتى يتمكن المعترضون من عرض قضيتهم. وأشارت إلى أنها ستجد طرقاً أخرى لإعطاء الفرصة للمشرعين حال رفضت الحكومة المشاركة.
ربما يبدو أن عدم الرضوخ لخفض المساعدات الخارجية طريقة منخفضة التكلفة نسبياً، من الناحية السياسية، بالنسبة لمستشار الخزانة ريشي سوناك، لإرسال إشارة مفادها أن الإنفاق المجاني لفترة الوباء يجب أن يُحسب بطريقة ما. لكن الحكومة التي روّجت لرؤية ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لصالح بريطانيا العالمية انتهى بها الأمر لأن تبدو قصيرة النظر للغاية.
كما ثبت أن قرارات الإنفاق الأخرى مثيرة للجدل داخل الحزب. فقد اضطر جونسون إلى قبول استقالة كيفان كولينز، مدير «مؤسسة المنح التعليمية البريطانية» الذي يحظى بتقدير كبير، بعد أن وافقت الحكومة على جزء صغير فقط من المساعدة التي أوصى بها لمساعدة الأطفال البريطانيين الذين تخلفوا عن الركب في الدراسة. جاء الإعلان عن تمويل 1.4 مليار جنيه لتدريب المعلمين وتوفير الدروس الخصوصية ليحدث صدمة كبيرة، لأن كولينز كان قد اقترح في الأصل ميزانية قدرها 15 مليار جنيه. ولم يكن يتوقع حصوله على كل ما يريد، لكن الحصول على 10 في المائة فقط يشير إلى أن الحكومة لم تكن جادة في طموحاتها. استقال كولينز قائلاً إن التمويل «ينم عن التقليل من أهمية التعليم».
استند نجاح جونسون الانتخابي الأخير إلى وعد «برفع مستوى» المجتمعات الإنجليزية المتعثرة حيث دافع عن جزء من الإنفاق بقوله: «آمل أن يكون هناك مزيد في المستقبل» للتعليم. لكن هل يمكن لرئيس وزراء بأغلبية برلمانية هائلة أن يقدم الأمل فقط؟
إن اختلاف جونسون ومستشار الخزانة سوناك بشأن السياسة المالية ليس سراً. فرئيس الوزراء يقدم تعهدات كبيرة تتناسب مع وعده باستخدام الحكومة لدفع النمو والاستثمار وتحسين الخدمات العامة. ويدرك سوناك الحاجة إلى الحفاظ على مصداقية بريطانيا في الأسواق المالية مع انتهاء مرحلة الطوارئ من الإنفاق على الوباء.
يبدو أن حزب المحافظين منقسم بالتساوي حيث يقلق المحافظون التقليديون أكثر بشأن جبل الديون الذي تراكم خلال تفشي فيروس «كوفيد 19» واحتمال أن تصبح المساعدات الحكومية عادة مألوفة.
وعلى الرغم من أن حكومة جونسون تتمتع بسجل لائق فيما يتعلق بالوفاء بتعهدات البيان، فإن وعده بتحسين مستوى الاقتصاد في أفقر مناطق شمال البلاد سيكون هدفاً طويل المدى سيتم على أساسه الحكم عليه في نهاية المطاف.
أن تحكم هو أن تختار، بحسب نايجل لوسون، وزير المالية في عهد مارغريت تاتشر. فهناك سجل طويل من اختيار رؤساء الوزراء لمستشاريهم، ونادراً ما يكلل هذا الأمر بالنجاح.