مصطفى فحص
كاتب وناشط سياسي لبناني. حاصل على الماجستير في الدراسات الإقليمية. خبير في السياسة الخارجية لروسيا بالشرق الأوسط. متابع للشأنين الإيراني والعراقي. وهو زميل سابق في «معهد العلاقات الدولية - موسكو (MGIMO)». رئيس «جائزة هاني فحص للحوار والتعددية».
TT

إيران... مفاوضات وانتخابات

في نهاية الجولة الخامسة من مفاوضات فيينا بين مجموعة دول «4+1» وإيران حول ملفها النووي، لم تتوصل الأطراف المشاركة إلى اتفاق، لكنها فضلت عدم الاعتراف بفشل هذه الجولة، واختارت إشاعة أجواء إيجابية عن إمكانية التوصل إلى اتفاق. فمن جهته؛ سارع الطرف الإيراني، الذي يفاوض تحت ضغط الانتخابات الرئاسية وحاجة النظام إلى إنجاز يهديه إلى الرئيس الذي اختاره بعناية وتوّجه فعلياً قبل انتخابه شكلياً، إلى إشاعة تفاؤل يوحي بأن إيران قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاق نووي جديد يراعي مواقفها الثابتة؛ إذ أكد كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي أن «الخلافات بلغت نقطة حيث يرى الجميع أنها ليست مستعصية على الحل».
من فيينا توحي طهران بأن الأطراف المشاركة نجحت في تجاوز عراقيل أساسية، وبأن العقبات التي بقيت يمكن حلها، وباتت القدرة على التوصل إلى حل يرضي الأطراف كافة ممكنة... هذا التفاؤل الإيراني دعمه الموقف الروسي إضافة إلى تصريحات المنسق الأوروبي للمفاوضات في ختام المباحثات قبل أيام؛ إنريكي مورا، الذي قال إنه «يتوقع التوصل لاتفاق مع إيران خلال الجولة المقبلة من المحادثات في فيينا الأسبوع المقبل». إلا إن واشنطن؛ بوصفها المعني الأساسي بالمفاوضات، مارست صمتاً غريباً يمكن تفسيره في اتجاهين؛ سلبي أو إيجابي.
وبناء على هذه الأجواء الإيجابية، حزم أعضاء الوفود المفاوضة في فيينا أمتعتهم وقرروا العودة إلى بلادهم من أجل التشاور، وحددوا العاشر من الشهر الحالي موعداً مبدئياً لعودتهم إلى العاصمة النمساوية لبدء جولة جديدة هي السادسة، وقد تكون الأخيرة؛ كما جاء على لسان جهات أوروبية مشاركة؛ فالجولة الجديدة ستنطلق قبل 8 أيام من موعد تنصيب المحافظ الراديكالي إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ الأمر الذي يرجح احتمال أن يتزامن إعلان فوزه بالانتخابات مع إعلان التوصل إلى اتفاق نووي جديد أو إحياء السابق مع تعديلات تحافظ على هيبة واشنطن وترضي طهران.
مما لا شك فيه أن التزامن إن حصل فسيستثمره النظام ما بعد الانتخابات، فهو معني بتسييل نتائج الاتفاق لصالح الرئيس الجديد، خصوصاً في القضايا الاقتصادية والمعيشية التي تؤرق النظام، حيث بات الرهان الأساسي على ما بعد رفع العقوبات الاقتصادية من أجل ترميم صورة الرئيس المتوقع بقوة إبراهيم رئيسي، وإعادة بناء الثقة بين الشعب والنظام، باعتبار أن إنهاء العقوبات أسرع إنجاز يمكن أن يتحقق بعد نجاح «فيينا» وينعكس مباشرة على الوضع الداخلي، ويسجل مستقبلاً في رصيد الرئيس الجديد بعيداً عن خلفيته العقائدية وكيفية وصوله إلى السلطة وحجم المشاركة.
عملياً يدفع النظام الإيراني إلى الربط بين المفاوضات والانتخابات؛ أي ربط الخارج بالداخل واستثماره لصالحه، خصوصاً أنه يخوض معركة ترتيب بيته الداخلي، وعنوانه الرئيسي «الحفاظ على طبيعته وضمان مستقبله»، وذلك من خلال ربطه بين الانتخابات والمفاوضات التي يريد قطف ثمارها، ويراهن عليها لما تؤمنه من إمكانات مادية وعقود تجارية ضخمة كفيلة بإعادة بث الحياة في شرايين النظام داخلياً وخارجياً، وتمنح مرشحه للرئاسة الرئيس المتوقع إبراهيم رئيسي إمكانات تساعده على إدارة المرحلة الانتقالية.
رغم التفاؤل الحذر، وأخذ التفاصيل في الحسبان التي يمكن أن تمدد المفاوضات إلى جولات عدة من دون التوصل إلى نتيجة مُرضية، فإن النظام يعمل من أجل إهداء الرئيس المقبل جائزة الاتفاق، لتكون رافعة انتخابية قبل موعد الاقتراع. وعليه؛ فإن الانتخابات المعلبة التي هندستها المؤسسة الحاكمة التي حددت هوية النظام وحافظت على رمزيته العقائدية ووضعت ثقلها في الشخصية الأكثر التصاقاً وثقة بها، تتهيأ وتهيئه لكسب نتائج المفاوضات إذا نجحت؛ وإلى قيادة المواجهة إذا فشلت.