حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

مَن المنتصر في المُنازلة الفلسطينية ـ الإسرائيلية؟

لتعلم إسرائيل أنها بكل شهيد تقتله الآلة الصهيونية الفتاكة فهي تحْيي روح التشبث بالأرض لدى المئات بل الألوف من الجيل الصاعد، وأنها بكل برج تدمّره في فلسطين فهي تشيد عوضاً عنه أبراجاً من الحنق والغيض والغضب، وأنها بكل حي فلسطيني تقضمه فهي تفتح به مساحات جديدة من المقاومة ورفض الاحتلال، وأنها بثأرها من الفصائل الفلسطينية عبر اغتيال قادتها وهدم منازلهم فهي تصنع فصائل أخرى ولرموزها مزيداً من الشعبية والجماهيرية، وأن صفقة القرن التي تلهث وراءها الماكينة الإعلامية الإسرائيلية واللوبيات اليهودية المنتشرة في كل حدب وصوب وتبشّر بها وتحسّنها في الأعين، أمست هذه الصفقة صفعة في وجه قادة إسرائيل، وأضحوكة في عالم العرب والغرب يذكرونها للتندر.
إسرائيل بتكبرها وصلفها وجرائمها هي التي ألجأت الدول العربية المحورية المؤثرة مثل السعودية ومصر لاتخاذ مواقف أكثر تشدداً وقوة وحزماً، وهي التي حرّكت أحرار العالم من كل المِلل والنِّحَل للتنديد بالممارسات الدموية للحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة، لدرجة جعْل رئيس الوزراء البريطاني يحذّر من مظاهر معاداة السامية التي بدأت تطفو على السطح الأوروبي.
الغطرسة الإسرائيلية وافتخارها بالتفوق العسكري بأدق وأخطر تقنياته أعمت أعين قادتها عن أن حسابات الربح والخسارة في منازلاتها مع الفلسطينيين لا تُحسب بعدد النفوس الفلسطينية التي تقتلها؛ فالعوض في الرحم الفلسطينية الولود الودود، ولا بعدد الأبراج التي تُسقطها؛ فهذه تكفيها «فزعة» من نشامى العرب خصوصاً دول الخليج وعلى رأسها السعودية ذات التاريخ الناصع في دعم القضية الفلسطينية، ولا بعدد المدن الفلسطينية التي تخنقها؛ فالحصار لم يحاصر الروح الفلسطينية التي استطاعت التعايش مع أشد الظروف صعوبة وأحلكها ظلمة، ولا بعدد الطلعات الجوية التي تنظمها؛ فهذه لم تَفُتّ في الروح الفلسطينية الأبيّة، ولا هي أجهضت روح المقاومة؛ فجذوة المقاومة تظل متّقدة ما دام الاحتلال رابضاً على أرضهم، وما دام سرطان المستوطنات يتمدد في الأحشاء الفلسطينية، فهذا قانون فيزيائي لكل شعوب الأرض التي احتلها المغتصبون... الخسارة الحقيقية هي في الجانب الإسرائيلي الذي يشعر قادته بالخزي أن قبّتهم الحديدية «المَفْخَرَة» أضحت مليئة بالثقوب تنخر فيها الصواريخ، الخسارة هي في عدم شعور الشعب الإسرائيلي بالأمان الذي هو أحد النعم الكبرى لأي شعب يطمح للعيش في بلد مزدهر.
لقد ازدرت حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف حقوق الشعب الفلسطيني، وسرقت أرضه، وقتلت شعبه، واستولت على مزارعه ومنازله، وخنقتهم بالحصار والتجويع، ورمت بقرارات الهيئات الدولية في مزبلتها، فكانت المحصلة المنطقية انفجار الغضب المكنون، فالحال الفلسطينية البائسة جعلت من الموت أو السجن خيارات تتساوى مع العيش تحت القهر والظلم والحصار والتجويع.