لن تكون علاقة الولايات المتحدة بإيران سهلة أبداً، وحتى استعداد الرئيس المنتخب جو بايدن للانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم «خطة العمل المشتركة الشاملة»، لن يساعد كثيراً في هذا الصدد، فقد أوضح بايدن أن هدفه هو امتثال إيران، لكن هل الغضب من مقتل العالم النووي محسن فخري زاده والفرصة الضئيلة قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في حزيران يونيو (حزيران) المقبل ستقضي على الدبلوماسية على المدى القريب؟
ربما لا، ذلك لأن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يعلم أن إيران بحاجة إلى تخفيف العقوبات، لكنه سيضغط على الولايات المتحدة للتخفيف من وطأتها قبل أن تفعل إيران أي شيء.
يمكن للإيرانيين العودة إلى الامتثال لاتفاق عام 2015 من خلال احترام القيود المفروضة على عدد أجهزة الطرد المركزي الخاصة بها، ومستوى التخصيب الممكن، وكمية اليورانيوم منخفض التخصيب الذي يمكنهم تخزينه، وتفكيك سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وغيرها.
من جانب الولايات المتحدة، هل ستقدّم الإدارة الجديدة تخفيفاً للعقوبات حتى مع استمرار إيران في انتهاك حدود خطة العمل الشاملة المشتركة؟ لا يصر الإيرانيون على الاستمرار في ذلك فحسب، بل يطالبون أيضاً بالتعويض عن تكلفة العقوبات التي فرضتها عليهم إدارة دونالد ترمب، مدعين ببعض المبررات أنهم استمروا في احترام التزاماتهم بموجب بنود خطة العمل الشاملة المشتركة لمدة عام كامل، بعد أن توقف ترمب عن احترام الجزء المتعلق بالولايات المتحدة.
حتى إذا رفضت الإدارة الجديدة تقديم تعويضات لكنها عرضت تخفيفاً فورياً لها، فيما شرعت إيران في اتخاذ خطوات للامتثال مرة أخرى، فمن المرجح أن نسمع ضجيجاً من أعضاء الكونغرس الجمهوريين المعارضين لخطة العمل الشاملة المشتركة؛ ذلك لأنهم سيفسرون أي تحركات تقلل من نفوذ الولايات المتحدة على أنها خطأ جوهري، في حين أن إيران لا تمتثل ولا تغير أياً من سلوكياتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. ومن المفارقات أن ذلك قد يخلق مشكلة لكل من الرئيس المنتخب، الذي يريد استعادة الشراكة بين الحزبين في السياسة الخارجية، ولإيران التي يريد قادتها ضماناً بأن أي اتفاق لن يتم مخالفته في عام 2024 حال أسفرت الانتخابات الأميركية عن إدارة مختلفة.
سيتعين على إدارة بايدن التوفيق بين عدد من النزاعات إذا كانت سياستها تجاه إيران تريد أن تحظى بأي فرصة للنجاح. أولا، تريد الدول الأوروبية أن تعود الولايات المتحدة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة، بينما من المرجح أن يعارض معظم الجمهوريين في الكونغرس أي عودة إلى الاتفاق النووي الذي لا يتعامل مع بنود انقضاء المدة أو الصواريخ الباليستية، أو إثارة المشاكل الإيرانية في الشرق الأوسط.
ثانياً: ستشعر الإدارة الجديدة بالحاجة الملحة إلى إعادة فرض قيود على برنامج إيران النووي حتى عندما تتناول قضايا أخرى، لكنها لا تريد أن تجعل التفاهمات بشأن البرنامج النووي رهينة للتقدم بشأن الصواريخ الباليستية أو التحديات الإقليمية.
ثالثاً، يدرك الرئيس المنتخب أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وكذلك إسرائيل تريد تطمينات بشأن تحركات الولايات المتحدة تجاه إيران، خشية أن التصرف بطرق ما يمكن أن تعقد الاستراتيجية الأميركية. لكن هذه الدول متشككة بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، وتخشى أن تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها قبل الأوان، وتشعر بالقلق من أن مصالح إدارة بايدن في عملية التفاوض ستؤدي إلى غض الطرف عن تهديدات إيران لجيرانها.
أخيراً، حتى في الوقت الذي تسعى فيه إدارة بايدن إلى الحفاظ على نفوذها في إيران، وإظهار التكاليف الباهظة لسلوكها السيئ، فإنها تسعى أيضاً لأن تكون قادرة على تقديم حوافز لسلوك أفضل تجاه جيرانها الإقليميين.
ورغم الصعوبات، فإنه من الممكن التوفيق بين هذه الأهداف المتعارضة، لكن ذلك يتطلب التفكير بمصطلحات محددة. ولأنه لن يكون من السهل الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، يتعيَّن على إدارة بايدن أن تتظاهر بقبول ما لا مفر منه: يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في إعلان استعدادها للانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، والتفاوض على اتفاقية لاحقة - وهو أمر يطمئن الأوروبيين، ويرسل برسالة مفادها أن إدارة بايدن تحترم الاتفاقيات متعددة الأطراف - ولكنها توضح أيضاً أن الفهم المحدود الذي يحد من الموقف النووي الإيراني الحالي لا يتحمل الانتظار، وأنه يمكن منح تخفيف محدود لمثل هذه التحركات. على سبيل المثال، أفادت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بأن إيران لديها كمية من اليورانيوم منخفض التخصيب في متناولها يعادل 12 ضعفاً من المسموح به بموجب شروط خطة العمل الشاملة المشتركة؛ ويمكن للإدارة أن تسعى إلى خفض الوزن الحالي من 2400 كيلوغرام إلى 1000 كيلوغرام، وتفكيك سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي تم تركيبها. في المقابل، يمكن للولايات المتحدة إلغاء تجميد الوصول إلى بعض الحسابات التي تحتفظ باحتياطيات العملة الأجنبية الإيرانية مع استمرار العقوبات.
ميزة صفقة «الأقل مقابل الأقل» هي أنها تقلل من وقت اختراق إيران لتطوير المواد الانشطارية الصالحة لصنع الأسلحة، وهو ما يحافظ على نفوذ الولايات المتحدة، ولا يتطلب من الجمهوريين في الكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تبني خطة العمل الشاملة المشتركة، وهو ما يجدون أنه يمثل مشكلة، ويمكن أن يساعد في كسب الوقت لفعل ما قال بايدن إنه يريد القيام به. فقد ذكر بايدن أنه يريد التفاوض على اتفاقية تخلف خطة العمل الشاملة المشتركة تعمل على تمديد بنودها مع معالجة الموقف العدواني لإيران في المنطقة.
لكن قبل تبني مثل هذا الموقف، يجب على بايدن أن يتشاور مع الكونغرس والحلفاء الأوروبيين والسعوديين والإماراتيين والإسرائيليين. بينما يؤيد الأوروبيون العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فإنهم سيدعمون تحركاً أميركياً يحد من التهديد النووي الإيراني من خلال الدبلوماسية حتى لو عرض اتفاقاً محدوداً في البداية. وسيرغب الكونغرس وأصدقاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في فهم الأهداف الأميركية، وكيف ستسعى للحفاظ على نفوذها.
بالطبع، للإيرانيين رأي فيما هو ممكن. فرغم الكلام الجريء، يعلم خامنئي أن الإيرانيين بحاجة إلى الراحة، وسيبحثون عن طريقة للحصول عليها، وهو ما يجب ألا يحصلوا عليه مجاناً.
* «بالاتفاق مع بلومبرغ»