صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

لا حلول إلا هذا الحل بعد صراع 70 عاماً وأكثر!

لنفترض، وهذا لم يعد لا مستغرباً ولا مستبعداً، أن توافق قمة عربية بحضور كامل على الاعتراف بالدولة الإسرائيلية على حدود ما قبل يونيو (حزيران) عام 1967 وأن تصبح هذه الدولة كياناً شرق أوسطي من دون ادعاءات أو تطلعات تمددية، والسؤال هنا هو: هل يا تُرى سيتعامل معها الغرب الأوروبي والغرب الأميركي، كما يتعامل مع الدول العربية، أي على أنها مجرد دولة شرق أوسطية مثلها مثل غيرها ومن دون أي امتيازات خاصة لأنها لم تعد الطفل المدلل كما بقي عليه واقع الحال منذ عام 1948 حتى الآن؟!
وبالطبع فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه لم تعد هناك حتى ولا دولة عربية واحدة بما في ذلك ما توصف بأنها «دول المواجهة» إلا وأصبحت على قناعة بعد سبعين عاماً وأكثر بأن هذه الدولة التي فُرضت فرضاً وبالقوة على هذه المنطقة بعد جرائم الهولوكوست، التي ارتكبها النازيون بقيادة أدولف هتلر ضد اليهود الألمان ومعهم بعض اليهود الأوروبيين، قد أصبحت أمراً واقعاً حتى بعد ثلاث حروب متلاحقة وبعد صراع مكلف للعرب أكثر مما لها، نظراً لأنها كانت ولا تزال تنفق من جيوب الدول الأوروبية وبالطبع ومن جيب الولايات المتحدة.
وهذا مع أن بعض الأوساط الغربية، بعد طول ما مر من وقت على محاكمات نورمبرغ التي أقامتها «دول الحلفاء» في عامي 1945 و1946 والتي كشفت الغطاء عن الجرائم الوحشية التي ارتكبها النازيون ضد يهود ألمانيا ويهود بعض الدول الأوروبية، باتت تشكك في حكاية «المحرقة النازية» هذه، وحقيقة أن هذا التشكيك ليس صحيحاً وعلى الإطلاق ووراءه دوافع عنصرية، وذلك رغم أن بعض المعلومات التي جاءت في استطلاع أميركي، من المؤكد أن وراءه دوافع عنصرية مقيتة، أفاد بأن ربع البالغين في الولايات المتحدة يعتقدون أن الهولوكوست أسطورة لم تحدث، وحقيقةً إن هذا الإنكار مسيء لليهود وللعرب لأن دوافعه هي العداء لـ«السامية».
والمؤكد أن هؤلاء الأميركيين المعادين لـ«الساميين»، عرباً ويهوداً، مثلهم مثل أولئك الذين أخذوا على المسؤول السابق لـ«رابطة العالم الإسلامي» أنه قام بزيارةٍ ومعه بعض زملائه إلى معسكر «أوشفيتز» البولندي الذي يقع فيه «نُصب» يرمز لجريمة تاريخية كان قد ارتكبها النازيون ضد اليهود وبلا أي ذنب ارتكبوه، وهي جريمة ضد الإنسانية كلها تجب إدانتها ويجب استنكارها، ثم إنه وبكل تأكيد أن من اعترضوا على القيام بهذا الواجب الإنساني، وأيضاً الإسلامي، قد وضعوا أنفسهم إلى جانب أدولف هتلر والنازيين الذين قاموا بجرائم الهولوكوست المعروفة ضد أناس أبرياء كل ذنبهم أن دينهم هو أحد الأديان السماوية... وإلى جانب الدين الإسلامي والديانة المسيحية.
إن المقصود بهذه المقدمة الطويلة هو أن هذا التوجه لـ«التطبيع» مع إسرائيل، بعد صراع بقي متواصلاً ومستمراً على مدى كل هذه الفترة المديدة، قد جاء وقته وزمانه بكل تأكيد، ولكن على ألا تبقى الدولة الإسرائيلية هي هذه الدولة المستمرة منذ عام 1948 وحتى الآن والتي بقيت تلقن أطفالها ذلك الشعار الذي لا نزال نسمعه ويسمعه أشقاؤنا الفلسطينيون، والقائل: «أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات»... وأيضاً التي لا تزال، عملياً، تحتل الضفة الغربية كلها من حدود عام 1948 حتى نهر الأردن في الشرق، وتحتل أيضاً هضبة الجولان السورية وتواصل بناء المستوطنات في المنطقة التي احتلتها في حرب يونيو (حزيران) عام 1967، وأيضاً التي لا يزال يتمسك رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بـ«صفقة القرن» التي تعني بقاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية على ما هو عليه الآن، ومعها أيضاً هضبة الجولان السورية.
وهكذا فإن الواضح هو أن لحظة «المساومة التاريخية» بين العرب والإسرائيليين قد حانت بالفعل، بعد مرور أكثر من سبعة عقود متواصلة، تخللتها ثلاث حروب طاحنة وصراع سياسي لم يتوقف حتى ولا للحظة واحدة، وعنف دموي خرج من دائرة المواجهات الشرق أوسطية إلى الغرب الأوروبي والعالم بأسره، ولكن على أن تكون هذه المساومات والتنازلات المطلوبة بين الفلسطينيين والإسرائيليين متبادلة، وأن تكون للشعب الفلسطيني دولة مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن تكون الدولة الإسرائيلية على حدود عام 1948، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن من يُسمَّون «عرب الداخل» قد أصبحوا يشكّلون قوة رئيسية تتمثل في الكنيست الإسرائيلي بأكثر من اثني عشر نائباً، وأن حقوق هؤلاء يجب أن تكون على قدم المساواة مع حقوق اليهود (الإسرائيليين) الذين كانوا قد جاءوا إلى هذه البلاد من أربع رياح الكرة الأرضية... وهذه مسألة من المعروف أنها باتت مقبولة فلسطينياً وعربياً ولا نقاش فيها على الإطلاق حتى قبل إبرام الاتفاقيات السلمية المنشودة.
ثم ما دام الحديث عن عملية السلام المنشودة جدياً وأن العرب، إنْ ليس كلهم فمعظمهم، والإسرائيليين بالطبع أيضاً، باتوا مقتنعين به، فإنّ ما يجب تأكيده وإقناع الغرب البعيد والقريب به هو أنه يجب «إفهام» إسرائيل ومنذ الآن أنه عليها أن تكون دولة شرق أوسطية مثلها مثل كل الدول العربية، وأن صيغة «طفل الغرب المدلل» يجب أن تنتهي سياسياً ومالياً وأمنياً وعسكرياً وكل شيء. وحقيقةً إن بعض الأوروبيين وأيضاً بعض الأميركيين باتوا بانتظار إنهاء هذا الصراع، الذي تَواصل لأكثر من سبعين عاماً على أحرّ من الجمر، كما يقال، وذلك في حين أن الإسرائيليين بمعظمهم قد ملّوا هذا الصراع و«زهقوه»، وأنهم باتوا يتوقعون أن تأتي هذه اللحظة التاريخية التي بقوا ينتظرونها كل هذه السنوات الطويلة ليكونوا جزءاً من هذه المنطقة الشرق أوسطية ولتكون لهم حصة في خيراتها الحالية والمستقبلية!
والواضح أن يهود الغرب، يهود أوروبا والولايات المتحدة، قد ملّوا هم أيضاً هذا الصراع الشرق أوسطي، وأنهم بغالبيتهم ما عادوا قادرين على أن يستمروا في أن يكونوا «دافعي ضرائب» لإسرائيل. وحقيقةً إن هؤلاء قد بقوا يسعون وعلى مدى فترة طويلة للتخلص من هذا العبء، وأن يصبح الأوروبيون منهم أوروبيين بالفعل، ويصبح الأميركيون أميركيين وفقط، ولذلك فإن هؤلاء وأولئك هم الأكثر انتظاراً بالفعل لهذا «الحل التاريخي» المنشود، وأن تصبح الدولة الإسرائيلية دولة شرق أوسطية، وهذا في حقيقة الأمر هو ما تنتظره غالبية الإسرائيليين الذين ملّوا هم أيضاً هذا الصراع الذي بات لا نهاية له، ومثلهم مثل بعض العرب الذين كانوا قد قدموا أرتالاً من الشهداء في حروب طاحنة بقيت متواصلة ومستمرة على مدى كل هذه السنوات الطويلة.
وعليه وفي النهاية، فإن رغبة هذا «التطبيع» المنشود المتبادل قد فتح أبواباً كانت مغلقة يبدو أن الإسرائيليين كانوا في انتظار فتحها ليس لـ«حصد الأموال» وإنشاء المشاريع الاقتصادية المتبادلة وفقط، وإنما ليتخلصوا من عبء «الأحلام التوراتية» وليتخلصوا من انتماءاتهم الأوروبية والأميركية ويصبحوا جزءاً رئيسياً من هذا الشرق الأوسط الواعد، ما يعني أنه إذا تحققت هذه الأحلام الوردية وأصبحت إسرائيل دولة شرق أوسطية على حدود عام 1948 وأصبحت للشعب الفلسطيني دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فإن هذا الشرق الأوسط سيصبح شرقاً جديداً، ومع ضرورة أنه لا بد من أن تتخلص إيران من هذا النظام المستبد والمتخلف وأن تكون جزءاً من مسيرة حضارية إنْ هي تمت بالفعل وأخذ كل صاحب حق حقه فإن هذا الشرق الأوسط سيصبح أفضل من هذا الغرب الأوروبي والأميركي وبألف مرة!