هال براندز
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

هل تقاطع أميركا أولمبياد الصين 2022؟

الألعاب الأولمبية غير سياسية من الناحية الاسمية، لكن السذج فقط هم من يصدقون ذلك. وفي تاريخ الألعاب الأولمبية وصلتها بالجغرافيا السياسية طيلة القرن الماضي أصدق دليل.
ففي عام 1936 سمح أولمبياد برلين لنظام ديكتاتوري معادٍ للسامية أن يحظى باهتمام العالم. وبعد اثني عشر عاماً استبعدت ألمانيا واليابان من أولمبياد لندن لدورهما في قيام الحرب العالمية الثانية. وجاء منح حق استضافة الألعاب الأولمبية الصيفية في طوكيو عام 1964 وميونخ عام 1972 ليرمز إلى إعادة تأهيل ألمانيا واليابان في الحرب الباردة كأعضاء في الغرب الديمقراطي. وفي عام 1980 قاطعت الولايات المتحدة الألعاب الأولمبية التي استضافها الاتحاد السوفياتي بعد غزو أفغانستان الذي أدى بشكل قاطع إلى القضاء على انفراج القوة العظمى في السبعينات.
وعندما استضافت الصين دورة الألعاب الصيفية في عام 2008، تعاملت مع هذه المناسبة على أنها الحفلة القادمة للاعب عالمي طموح. لكن بكين تستعد الآن لدور آخر كمضيف لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في عام 2022 فهل سيأسف العالم الديمقراطي يوماً ما على مواكبة المشهد الذي وضعه الحزب الشيوعي الصيني، حتى أثناء مشاركته في فظائع جماعية ضد سكانها من الأويغور في مقاطعة «شينجيانغ» الغربية؟ يعتقد البعض، بمن فيهم السيناتور ماركو روبيو وريك سكوت، أن الإجابة هي نعم.
حظيت مسألة ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة مقاطعة بكين بالاهتمام مؤخراً، وهي على وشك الحصول على المزيد. في وقت سابق من الشهر الجاري، حثت أكثر من 160 منظمة لحقوق الإنسان اللجنة الأولمبية الدولية على التراجع عن إقامة دورة ألعاب 2022 في بكين.
أجبرت الحكومة الصينية عدداً هائلاً من الأويغور - ربما يزيد على مليون شخص - على ما تسميه معسكرات «إعادة التعليم». فقد ضغطت عليهم للتخلي عن لغتهم وثقافتهم ودينهم، وأخضعتهم كذلك لأشكال من التلقين السياسي الذي وصفته جماعات حقوق الإنسان بغسل الأدمغة.
أدلى سجناء سابقون بسرد تفصيلي عن انتشار استخدام التعذيب وغيره من العقوبات الوحشية. وبحسب ما ورد، فقد أغلقت السلطات مجتمعات الأويغور بأكملها، وأبقت عليهم في منازلهم لفترات طويلة خلال جائحة «كوفيد19»، فيما أخضعت آخرين أيضاً من نفس الأقلية للعمل القسري. إن تعزيز هذا القمع على نطاق صناعي يأتي من خلال شبكة من أجهزة الاستشعار والكاميرات وتقنية المراقبة، التي قد تكون مؤهلة لتكون أكثر دول العالم تدخلاً في المراقبة. وبحسب ما ورد، فقد أرسلت الدولة بـ«إخوة كبار» من عرق «الهان» الصينيين لمشاركة الأويغور منازلهم ومراقبتهم، بما في ذلك منازل النساء اللائي سُجن أزواجهن. والأكثر بشاعة هو تلك التقارير، وآخرها ما بثته إذاعة «آسيا الحرة»، عن التعقيم القسري والإجهاض، وحتى وأد الأطفال، لخفض معدل تكاثر الأويغور.
التحقق من التفاصيل الدقيقة لكل هذا صعب للغاية، لأن بكين تعرقل عمل المراسلين الأجانب ومنظمات حقوق الإنسان. تقول بكين إن المعسكرات أقيمت «لمكافحة الإرهاب» وحذرت الدول الغربية وطالبتها بالابتعاد عن «شؤونها الداخلية». ومع ذلك، هناك الكثير من الأدلة لدعم ادعاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن الإجراءات الصينية تمثل «وصمة القرن».
رداً على ذلك، فرضت إدارة ترمب عقوبات على المسؤولين الصينيين والشركات المتحالفة مع الدولة التي تقول إنها متواطئة في انتهاكات حقوق الإنسان. ومع ذلك، أفلتت الصين في الغالب من انتقادات دولية واسعة النطاق، وذلك جزئياً باستخدام أساليب الإكراه الاقتصادي أو الضغط على الدول التي قد تقدم على توجيه انتقادات.
مَن ذلك الذي يمكنه أن يشك في أن الحزب الشيوعي سيستخدم أولمبياد 2022 للإعلان عن قوته، ولزيادة شهرته ومكانته العالمية، وليثبت لشعبه أنه جعل الصين دولة عظمى مرة أخرى؟
قد يجيب بعض المحللين بالقول إن ألعاب بكين يمكن أنْ توفر رمزاً ضرورياً للتعاون الأميركي الصيني وسط المنافسة المتزايدة. وفق هذا المنطق، توفر الألعاب الأولمبية، مصدراً للتناغم في عالم متصدع. من الناحية الواقعية، فإنَّ مشاركة الدول الديمقراطية سترسل إشارة إلى أنها غير مستعدة لتحدي السلوك الداخلي لبكين مع تنامي قوتها الخارجية.
بعبارة أخرى، كان أحد أسباب عدم تمكن بكين من استضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2000 واضطرارها إلى الانتظار حتى عام 2008 كبديل عنها، هو الانزعاج المستمر بشأن قمع احتجاجات ميدان «تيانانمين» عام 1989 ومع ذلك، من المقرر أن تستضيف الصين جولة أخرى من الألعاب وسط انتهاكات أقل وضوحاً لكنها أكثر شمولاً.
سيكون من الصعب جعل المقاطعة فعالة. إذا اتبعت الولايات المتحدة ببساطة النمط القياسي لترمب بإصدار بيان سياسي من جانب واحد من دون استشارة أصدقاء أميركا بشكل هادف، فقد تعزل نفسها بدلاً من عزل الصين. البديل، كما كتب زميلي في معهد «أميركان إنتربرايز» مايكل مازا، هو مقاطعة واسعة النطاق من قبل عشرات الديمقراطيات والدول الأخرى، وربما تنظيم حدث منافس في العالم الحر.
إذا اختارت الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة بالمقاطعة، فسيتعين عليها بلا شك أن تعد بمصداقية بمساعدة الدول على التغلب على الإكراه الاقتصادي والدبلوماسي الذي ستطلقه الصين حال قررت هذه الدول الابتعاد. سيتطلب ذلك دقة دبلوماسية وتقديراً وإصراراً، وهو ما لم تظهره إدارة ترمب إلا بشكل متقطع.
في خطاب ألقاه حول العلاقات الأميركية الصينية في يوليو (تموز)، أعلن بومبيو أن الولايات المتحدة ستحشد «تحالفاً ديمقراطياً» لعرقلة طموحات بكين الاستبدادية. وهناك من يقول إن تنسيق مقاطعة الألعاب الأولمبية سيكون نقطة جيدة للانطلاق.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»