النزاع العربي ـ الإسرائيلي.. عقبة في سبيل التقدم أم مشجب لتعليق الفشل؟
TT

شهادتي… أحمد أبو الغيط والسِّياسَة الخَارجيّة المصريّة 2004-2011

منذ اليوم الأوّل في وزارة الخَارجيّة، في عام 2004، حاول أبو الغيط، تسجيل يومياته التفصيلية بكل انفعالاته، ولكنّ ضغط العمل وتكدّس المهام، جعل محاولة التدوين اليومي صعبة، فاستعاض عنها بأرشفة الوثائق، ولم يُخفِ ندَمَه على ذلك، فقد حُرِم من استعادة الإحساس الآني العميق.
من الطبيعي أن يُكتب الكتاب، بأنفاسٍ مُتنازعة، وأن تنسرب بين أحرفه الرّغبات، وأن يُحاوِل وَزِير خارجيّة مبارك، تجلية المَخفي وإظهارَه، وكسر دوّامة التّشويه، بتقديم صورةٍ معقولة، كان أبوالغيظ مُصِرًا في كل صفحات الكتاب، أن يبدو بمظهرٍ رسمِي وأنيق ومرتب، ولم يكن كثير الشِكاية من نظام مبارك، وكان كثير الفخر بمؤسسة “وزارة الخَارجيّة” ووفيًا لقياداتها، يذكرهم كلّما سنحت فرصة، فقدَّم سُلافَة تجربته، بأسلوب سردِي جميل، وإن كان لاهثًا في مناطق كثيرة، ويقرأ كل باحث جيد، أن الوَزير، لم يقل كل ما يُرِيد أن يقولَه، ولكنّه وضّح للجميع، كثيرًا من المخفي. وأوصل رسالة واضحة وإن كانت غير مباشرة، مفادها أن مصر تحتاج إلى رجل دولة، وأنّ ملفاتها المعقدة، لا يمكن أن تُدار إلا عبر مؤسسات قوميّة، بعيدًا عن الانتماءات الحزبيّة الضيّقة.

في مقدِمَته قدَّم أبوالغيط عَرضًا واسِعًا لأفكاره الشخصيّة، واستلّ مقالاً كتبه عن الأمن القومي، لبَسط ما لديه من أفكار، وكان قَلمه يحوّم حول الخبرة التاريخيَة المصريّة العَريقة، وأحلام تأسيس الدَّولة، والإعجاب برموز التّاريخ من محمد علي إلى أحمد ماهر السيّد، وكان حريصًا على أن يبدأ بالتأكِيد على امتلاكه لرؤية واضحة لكل ملفات مصر، وتكوينًا شخصيًا أهله لمساندة النِّظام على تحصيل “مصلحة مصر”.
حاول الكاتب أن يلتزم بأسلوب الراويَة المُحايِد، الذي يوزِّع اللّوم والثّناء بالتّساوي، يُعطي ويَمنح، باعتدال، ويبدو صارمًا أحيانًا، محبطًا في ساعات، ولكنه شجاع ولا يقبل المهانة، وفي منهجيته في تناول الأحداث كان بادي الوفاء لرئيس مصر السابق حسني مبارك، فقال “لقد تناولت في صفحات كثيرة اسم الرَّئِيس، ولم أتحدث عنه سوى باسم الرَّئِيس، احترامًا لمصر وشعبها قبل احترامي له”. قسّم فصول الكِتاب، إلى المَلفات المُهمّة التي يقدِّر أنّه اضطلع فيها بأدوار خاصة.

السياسات الخَارجيّة.. من يرسمها

في مصر، يضطلع الرَّئِيس دومًا برسم موجهات الوزارة، وأصرّ أبوالغيط على أن يوضِّح أن وزير الخَارجيّة يقوم بتنفيذ سياسة الرَّئِيس الخَارجيّة بوطنيّة وإخلاص، وحماية مصالح البلاد، وفي الكِتاب ظلّ الوَزير يصرّ على أن وزارة الخَارجيّة تتصل بصفة مباشرة برئيس الجمهورية، ولا تقدّم تقريرها ومذكراتها إلا له.
على الرّغم من هذا، فلا يمكن المرور على السِّياسَة الخَارجيّة من دون الحديث عن الدور المتميز الذي ظلّت تلعبه وزارة الخَارجيّة المصرية على عهود متعاقبة، فلو أنّ مصر في عهد مبارك استحقّت لقب “القويّة”، فإنّ ذلك لم يتحقق بقوة السِّلاح بل بقوّة وزارة الخَارجيّة التي حققت الانتصارات واحدًا تلو الآخر، وحافظت على مصالح بلدها، وحافظت وزارة الخَارجيّة على مكانة متميّزة، ولا غرو أن يكون “عمرو موسى ومحمد البرادعي ونبيل العربي وأحمد ماهر” كلهم زملاء إدارة واحدة في الخَارجيّة المصرية، التي كانت في مصر العتيقة!