إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

أعناق ورؤساء

من تلابيبه، تسعى نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب في الولايات المتحدة، إلى جرّ الرئيس ترمب وعزله من الحكم. والتلابيب، أي الثوب الذي يُجمع عند الرقبة، هي ما يختلف به رؤساء أميركا عن خصومهم في إيران. يتمسك الأميركيون بربطة العنق ويرفضها الإيرانيون. لكن هذه الربطة هي القاسم المشترك الوحيد بين ترمب وباراك أوباما. لقد اعتاد الرجلان شراءها من متجر الأخوين بروك، العنوان المفضل لتفصيل ثياب زعماء الولايات المتحدة منذ 1818.
في حفل التسلّم والتسليم، مطلع 2017. ظهر أوباما بربطة عنق زرقاء وترمب بحمراء. وكان كل منهما يرتدي نسخة طبق الأصل من معطف أسود يصل إلى الركبتين. مع الفارق في الحجم. لكن الرئيس المُغادر حافظ على معطفه مغلقاً ومُزرّراً بينما تركه الرئيس الجديد مفتوحاً. وطبعاً فإن المصدر معروف. الأمر الذي دفع الصحافة إلى عقد مقارنات بين الاثنين ومن منهما أكثر لياقة بمعطفه الفخم، أي يملأه بشكل أفضل. وقال أحد المعلقين: إن قيافة رئيس الولايات المتحدة شأن سياسي.
يكاد عمر هذا المتجر يضاهي عمر الدولة الأميركية نفسها. ومن أبرز زبائنه الرؤساء لنكولن وروزفلت وأيزنهاور وكيندي. وشذّ عن القاعدة الرئيسان كارتر وريغان. وكان كيندي يقتني منه كل مستلزماته، من المعطف حتى السروال الداخلي القطني الأزرق. ويوم زواجه من جاكي أهدى لكل واحد من عرّابي العريس مظلة تحمل علامة «بروك براذرز». بينهم من احتفظ بها وأورثها لأبنائه وبينهم من باعها. دخل كيندي البيت الأبيض للمرة الأولى وهو يرتدي قميص «أكسفورد». وسرعان ما بيعت منه الآلاف لأن الرئيس الشاب ارتداه. ظلّ أنيقاً حتى لحظة اغتياله في دالاس. ولطخت دماؤه قميصاً من توقيع الأخوين بروك. وهناك في أحد متاحف واشنطن قميص يشبهه ويحمل علامات طلقات الرصاص.
بداية ستينات القرن الماضي تحولت بدلة كيندي الخفيفة ذات الزرين والثنية الرفيعة في نهاية السروال إلى اللباس المفضل لجيل من الشباب الأميركيين. إنها علامة النجاح. وحين ينهي أحدهم دراسته في جامعة مرموقة ويحصل على وظيفة، يأخذه أبوه لكي يوصي له على بدلة منها. وكان الذواقة يميزون المصدر الذي يقتني منه كيندي قمصانه من خلال الكسرات الست الرفيعة على سوار الكم. كان أول رئيس يتمرد على القبعة التقليدية التي شوهدت على رؤوس الممثلين في أفلام هوليوود القديمة. خرج إلى العالم مكشوف الرأس. وقيل يومها إن كيندي كتب شهادة الوفاة للقبعات التي كانت من مكملات الأناقة الرجالية.
اغتيل الرئيس إبراهام لينكولن، أيضاً، وهو يرتدي بدلة «فراك» سوداء تحمل علامة الأخوين بروك. وحتى سنوات قريبة كانت المتاجر تمتنع عن عرض البدلات السود في واجهاتها احتراماً لذكراه. ومن العلامة نفسها ارتدى الرئيس روزفلت عباءة شهيرة حفظتها الصور أثناء توقيع معاهدة يالطا، 1945. والمتجر الصغير الأول في نيويورك صار سلسلة متاجر. وبدأ المصمم رالف لورين حياته بائعاً بسيطاً في واحد منها. ويحتفظ مدير العلامة بمقاسات مئات الشخصيات الشهيرة ويمكنه أن يؤلف رواية مثيرة عن عادات كل منهم. إن حشية الزر الأخير من كل قميص تحمل مستطيلاً من القماش يحمل اسم الزبون ورقم الطلبية. ويكفي إرسال الرقم لتكرار الطلب ولو جاء من قارة أخرى.
قبل 20 عاماً، زار شيراك فرع مانهاتن باحثاً عن قمصان ذات أكمام أطول من المعدل العادي. ولم يكن الرئيس الفرنسي ذو الذراعين الطويلتين خبيراً بالمقاسات الأميركية فصنعوا له نموذجاً أولياً. وبالاستناد إلى ذلك النموذج جرى تفصيل طلبات تالية. صار شيراك يهدي القمصان الأميركية لأصدقائه.