د. أحمد عبد الملك
كاتب واكاديمي قطري
TT

همس ديمقراطي

أتاحت قمة مجلس التعاون الأخيرة في الكويت الفرصة للإعلاميين لأن يلتقوا مجموعة من المسؤولين الكويتيين للتعرف على آرائهم ورؤاهم حول مسيرة مجلس التعاون ومستقبله، وكذلك مسيرة الديمقراطية في دولة الكويت، خصوصا في ظل بروز بعض التوجهات غير المعتادة في مسيرة مجلس التعاون، بعد تباين المواقف حول موضوع «الاتحاد»، وكذلك إفرازات المسيرة الديمقراطية في دولة الكويت وتجاذباتها.
ولم يدخر الإخوة في الإعلام الخارجي في وزارة الإعلام جهدا في توفير مناخات اللقاءات الجادة للوفد الإعلامي الخليجي الذي زار الكويت قبل القمة بأيام، وكان من ضمن تلك اللقاءات القيمة لقاء رئيس الوزراء جابر المبارك الصباح ووزير الإعلام وشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود الصباح ورئيس الوزراء السباق ناصر المحمد الصباح، ومحمد الصباح وزير الخارجية السابق، ووزيرة التخطيط رولا دشتي، ومستشار أمير الكويت للشؤون الاقتصادية الدكتور يوسف الإبراهيم، وأيضا مستشار أمير الكويت السياسي محمد أبو الحسن، ولقد جاء لقاء رئيس مجلس الأمة الكويتي السيد مرزوق الغانم صريحا ومبادرا وشفافا في القضايا التي أثارها الوفد الإعلامي الخليجي.
تداولنا قضية الاحتقان السياسي في دولة الكويت، وتطرق الحديث إلى مجلس التعاون، حيث نصح السيد رئيس المجلس شعوب الخليج ودوله بالاستفادة من تجربة الكويت، بدراسة سلبياتها والأخذ بإيجابياتها. وأشار إلى وجود رغبة شعبية جامحة نحو الوحدة الخليجية.
الحديث عن الديمقراطية في الخليج ذو شجون! ذلك أن نظم الإدارة السياسية في دول مجلس التعاون تختلف في أشكالها وتشريعاتها. حيث يوجد الانتخاب الشعبي المباشر والكامل كما هو الحال في الكويت، ويوجد أيضا «نظام الغرفتين» ويعني الانتخاب المباشر والتعيين من قبل الحكومة كما هو الحال في البحرين، ويوجد في عمان مجلسان مجلس الشورى (منتخب) ومجلس الدولة (معين) ويحق لأعضاء مجلس الدولة المعينين التصويت في اقتراعات المجلس، وأيضا يوجد التعيين الكامل كما هو الحال في بقية دول المجلس.
هذا التباين يفرض واقعا غير متماثل طبقا لصيرورة المجتمع في كل دولة، ولاستحقاقات تاريخية واجتماعية قامت عليها بعض أشكال «التضامنيات» في مجتمع الخليج التقليدي التي ورد بشأنها الاقتباس التالي في كتاب الدكتور باقر النجار: «إلا أن التضامنيات الخليجية، وبخلاف تلك السائدة في المجتمع العربي، لا تمثل شكلا من أشكال المشاركة في القرار، رغم قوة تأثير بعضها فيه، بقدر ما هي، في بعض حالاتها، (استئناس) بالرأي أو تحسب لردة فعل تخشاه الدولة من بعضها، وهي في حقيقتها جماعة وظيفية تهدف إلى تحقيق شكل من أشكال التوازن الاجتماعي ضمن الدولة المصفوفة التقليدية لتوزيع القوة في المجتمع. في حين يرى البعض أن هذا التوجه نحو دعم «التضامنيات» يؤدي إلى «مأسسة القبلية والطائفية». (باقر النجار، الديمقراطية العصية في الخليج العربي، دار الساقي، بيروت، 2008. ص 51).
نحن نعتقد أن فكرة «التضامنيات» ليست بالفكرة الجديدة في النظام الاجتماعي في الخليج، وأنها شكلت أداة من أدوات إدارة المجتمع، ما سهل على السلطات إدارة الشأن العام، ولكن مع تطور المجتمع الخليجي واطلاع أبنائه على نماذج الديمقراطية الراسخة في الدول الغربية، وظهور جيل من المتعلمين والمفكرين والمختصين بالشأن السياسي، تراجعت فكرة «التضامنيات»، وأصبح الميل أكثر اتجاها نحو مؤسسات المجتمع المدني، ما ساهم في تعديل أو تبديل الدساتير القائمة بما يتلاءم مع المرحلة الجديدة. كما تطورت بعض مجالس الشورى التقليدية لتقترب، ولو بنسبة متواضعة، من مجلس الأمة الكويتي «الكامل».
ولكن يظل حديث الديمقراطية في الخليج «خجولا» أو «متوجسا» من نتائج المستقبل، وكثيرا ما جرى الاستشهاد، في الأوساط الخليجية، بالتجربة الكويتية وتداعياتها، وتأثير ذلك على برامج التنمية، ولقد شهد بذلك بعض الوزراء الذين التقيناهم في الكويت.
نحن نعتقد أن وصول المجتمعات الخليجية إلى التطوير الكامل أمر حتمي ولا بد منه، ولا يمكن استيراد نماذج ديمقراطية من الخارج. ولعل أول ما يمكن العمل به في هذا الاتجاه هو قيام لجنة البرلمانات الخليجية بدراسة التجربة الكويتية، وتقديم نموذج ملائم لدول مجلس التعاون، يكون متفقا عليه ومتوائما مع ظروف المجلس. بالطبع يوجد تحفظ تقليدي على مصطلح الديمقراطية، في بعض المجتمعات الخليجية، تماما كما يجري ربط الدعوة إلى قيام منظمات المجتمع المدني بالدول الغربية (الاستعمار)، وبالنزعة الفردية التي تقترب، حسب تلك المفاهيم، من «الكفر»، ويعدونه تقليدا للغرب رغم أن «التكافل» الإسلامي جزء من هذا النموذج الذي يدافع عن حقوق الإنسان وعدالة معاملته وحماية الإنسان من أي انتهاكات لحقه في الحياة وفي خدمة مجتمعه، كما تنص التعاليم الدينية، وبذلك تجري محاربة مشاريع الديمقراطية ودعواتها وأهدافها بسلاح ديني قيمي، وهو سلاح مهم وقوي في المجتمعات الخليجية.
نحن في الخليج نعتز بتجربة الكويت الديمقراطية وبالإنجازات التي حققتها في مجال الحريات وخصوصا حرية التعبير، واستقلال المؤسسات، والقضاء بوجه خالص، وحرية قيام الجمعيات والاتحادات المهنية منذ أوائل الستينات، رغم اعترافنا بوجود مساحات – في هذه التجربة – لم يأملها الكويتيون، هذه المساحات أفرزت مجموعة من السلبيات التي طالت المسيرة، لكن الأجمل من كل ذلك كله هو إجماع كل الكويتيين على التزام الدستور، مهما اختلفوا حول شكل الإدارة السياسية.
نقول إن تجربة الكويت الديمقراطية تحتاج إلى دراسة وتقييم، قدر حاجة شعوب الخليج إلى ديمقراطية جديدة تتواءم مع ظروفهم دون أن «يفصلوها» تفصيلا على الواقع السياسي التقليدي.