د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«جمرة التراشق» في الإدارة

بعض الناس «يتراشقون بالمهام»، وكأنهم يتراشقون بجمرة تكاد تحرقهم. هذه اللعبة أو الحيلة، ما إن تحدث فهي دليل على أمور عديدة في بيئة العمل. فقد يكون سبب التهرب من المهمة (task) عدم وجود لائحة واضحة تحدد من يجب أن يفعل ماذا، أو ربما بسبب غياب الوصف الوظيفي أو الخطة أو الاستراتيجية. فيضطر الموظفون إلى التهرب من المهام المكلفين بها، وذلك بإلقائها على كاهل الآخرين، والأسوأ حينما يفعلون ذلك مع مسؤولهم المباشر.
مجلة «هارفارد بزنس ريفيو» نشرت قصة شهيرة في السبعينيات بعنوان «من لديه القرد؟» (Who’s Got The Monkey)، وهي تصور حكاية التراشق بالمهام، أو بالأحرى التهرب منها، بين الموظفين ومديرهم. فحينما يطلب مسؤول من مرؤوسيه عملاً ما أو تقريراً، فإن المهمة من المفترض أنها انتقلت من كاهل المدير إلى العاملين تحت إمرته. وهذه من نِعَم «التراتبية الإدارية» حتى يُفرغ كبار المسؤولين أذهانهم لمهام أخرى. غير أن المشكلة تحدث عندما يرد المرؤوس المهمة أو المشروع، ليضعها على كاهل المدير! وذلك لأسباب عدة؛ إما خوف، أو تردد، أو تقاعس، أو كسل وغيرها. وهذا ما يتعارض مع صميم العمل الإداري المنتج القائم على فكرة توزيع الأدوار، وفصل الاختصاصات بقدر الإمكان، والبعد عن فكرة «مسرح الرجل الواحد» (one - man - show)، كما يقال بالإنجليزية. فلو أن كل مرؤوس أعاد المهمة المطلوبة (الجمرة) إلى مديره، فما فائدة تعيين المساعدين أصلاً؟ أليست هي دعوة مباشرة للمدير بالتدخل في اختصاصاتهم، أو احتكار العمل، ثم يشتكي المرؤوسون من مشكلة عدم منحهم صلاحيات؟
المشكلة ليست دائماً في المديرين، بل قد يكون السبب الموظف نفسه الذي لا يكلف نفسه عناء البحث عن حلول. ولذا كان من بديهيات الإنتاجية ألا يدخل أحد على مديره بالمشكلة، بل بمجموعة من الحلول. وهذا باختصار ما يميز المنتج من غير المنتج.
بعض المديرين هم من يقبلون الدخول في لعبة التراشق بالمهام، أو تبادل القردة. فما إن يعود إليه مرؤوسه بخفي حنين أو خالي الوفاض، حتى يشرع هو نفسه بحل المشكلة، فيعوّد كل من حوله بأنه سيقوم بالعمل نيابة عنهم. هنا ينتهي به المطاف وقد يصبح هو من يعمل، فيما يراقبه المرؤوسون، تماماً عكس المعادلة الإدارية التي من أركانها الرقابة الإدارية التي تعد دوراً أصيلاً للمدير.
ومن دون الكف عن لعبة التراشق لن يتشكل لدينا صف ثانٍ يحمل زمام المسؤوليات على عاتقه. ولن يستطيع المسؤول أصلاً الاستمتاع بإجازاته، إن استطاع أن يأخذها أصلاً، لأنه إما أخطأ في اختيار مرؤوسين لا يُعتمد عليهم، أو راح ضحية التعيينات البراشوتية أو «الواسطوية»، أو ربما لم يحسن تعويدهم على أصول العمل في بيئة إدارية منتجة.