د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

موقف صدم السلطان

أكبر صدمة تلقاها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بسبب العملية العسكرية التي قام بها على شمال شرقي سوريا بدعوى محاربة الجماعات الإرهابية هي صدمة الإجماع العربي والدولي - ما عدا قطر- الذي لم يتوقعه إردوغان، إذ تم استنكار هذا التدخل التركي في أراضي دولة مستقلة بجيش يعد ثاني أقوى جيش في حلف الناتو، ومن الداخل استنكر زعيم المعارضة التركية كمال أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي، هذا العمل العدواني على شمال سوريا قائلاً: «لدينا على جداول أعمالنا ارتفاع الأسعار والفقر وعدم القدرة على المعيشة والبطالة، كل هذا على جداول أعمالنا ليس من المنطق أن نعادي الشرق الأوسط والشعوب العربية فلدينا روابط تاريخية وروابط ثقافية، ولدينا روابط إيمانية وروابط قرابة، لماذا نعاديهم؟ ولماذا نتصادم معهم؟ ولماذا أصبحنا لعبة لدى القوى الإمبريالية؟ ولماذا أصبحنا بين كلٍّ من روسيا وأميركا؟ قد تحولنا إلى دولة القصر التي تتلقى الأوامر من الدولتين ونُهان بأشدّ أنواع الإهانات».
كذلك ما جعل إردوغان يُقْدم على هذه الخطوة غير المحسوبة هو إدراكه أن الحرب السورية بدأت تضع أوزارها، وأن روسيا بدأت تهمّش دور تركيا في شمال سوريا، كما همشت من قبل الدور الإيراني في القضية السورية، وانسحاب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا وإن لم يكن بفعل ضوء أخضر من أميركا، فإنه يمثل فرصة تاريخية في نظر إردوغان جعلته يقْدم على استغلالها لتحقيق الهدف الذي ظل يسعى إليه منذ قيام الثورة السورية للحصول على قطعة من الكعكة السورية، وهي التي كان يُعدّ لها وينشدها والمتمثلة في احتلال منطقة من شمال شرقي سوريا وذلك لإيجاد منطقة آمنة داخل الأراضي السورية لضمان «الأمن القومي» التركي من «الخطر» المتمثل في المقاتلين الأكراد المنضوين ضمن إطار «وحدات حماية الشعب» و«قوات سوريا الديمقراطية»، وتعد تركيا وحدات الحماية الكردية من بين المنظمات «الإرهابية» المرتبطة بـ«حزب العمال الكردستاني» الذي يخوض معركة منذ 35 عاماً ضد الدولة التركية، ولهذا فإنّها تنظر إلى منطقة سيطرة الأكراد في الشمال السوري على أنها تشكل «تهديداً وجودياً». وتحت هذه الذريعة طالب إردوغان بـ«منطقة آمنة» يبلغ عمقها 30 كيلومتراً وتمتد على مسافة أكثر من 480 كيلومتراً، وبمجرد تأمينها تريد تركيا إعادة توطين «المنطقة الآمنة» بنحو مليوني لاجئ سوري فرّوا إلى تركيا، ومع ذلك فمن غير المعروف كيف سيتم إجراء عملية إعادة توطين ضخمة كهذه، لا سيما إذا ما أُضيف إلى المليوني لاجئ المقيمين في تركيا مئات آلاف النازحين الذين سيفرّون من منطقة العمليات التركية، حسبما حذرت جمعيات حقوقية دولية.
يهدف إردوغان من خلال هذه الخطوة إلى أن يبتز الغرب مجدداً بورقة اللاجئين، فقد سبق أن تحدث عن خطط لبناء مدن وقرى ومستشفيات ومدارس، لكنه يقول أيضاً إن بلاده التي أنفقت بالفعل نحو 40 مليار دولار على اللاجئين لا تستطيع أن تفعل ذلك بمفردها، مقترحاً لهذه الغاية عقد مؤتمر للمانحين للمساعدة في تحمل التكلفة، داعياً الدول الأوروبية على وجه الخصوص إلى تحمل العبء تحت طائلة إمكانية أن تفتح تركيا «البوابات» لتدفق المهاجرين إلى الغرب، ومن هنا جاءت عملية «نبع السلام» في شمال سوريا لتجدد أطماع تركيا في الشمال الشرقي السوري ولتضع تركيا العالم أمام الأمر الواقع، فإما أن يُهجِّر السوريين إلى دول أخرى، وهو ما حدث بالفعل، وبذلك يفاقم من المشكلة، وإما أن يقبل العالم بمثل هذه الحل الذي يدك فيه أرض سوريا.
لقد ماتَ من الكرد - في الحروب الإقليمية والاعتداءات عليهم - ما لم يمُت أي أناس في معارك أسطورية طوال التاريخ البشري. كان الكرد هم «الحيطة الواطية» التي يعتليها كلُّ مَن يقفز فوق سطح الجيران، ويتم قتالهم مراراً بحجج مختلفة، سواء من الدواعش أو «الإخوان» أو من الدول التي ينتمون إليها.
كم مرة علَّق السلطان المعاصر إردوغان - من منطلق الدين - على أحداث الربيع العربي إزاء ليبيا ومصر وتونس وأخيراً سوريا؟
وها هو يخرج مجدداً فيها تمويهن واسم جذاب لمحاربة الإرهاب، باعتبار تركيا آتية بغصن الزيتون إلى الجارة الشقيقة (سوريا). هو يفعل ويعلم أيضاً أنه يرتدي عباءة الكلمات الفاضحة لنياته. كيف يقتل جيشه الكرد ويزعم أن حربه «نبع السلام»؟ أيُّ نبعٍ للسلام يقصد؟ والسلام لمَن تحديداً؟