تيدروس أدهانوم غيبرييسوس
- المدير العام لمنظمة الصحة العالمية
TT

صندوق عالمي من أجل تقوية الأنظمة الصحية

«عندما تتَّحد العناكب، بوسعها شدّ وثاق أسد»، كما يقول المَثَل في إثيوبيا. أمام العالم فرصة ثمينة للتعاضد وإثبات مدى القوة التي تنطوي عليها الشراكة. لقد حققنا خلال القرن الحالي تقدماً مذهلاً في معركتنا ضد أمراض فيروس نقص المناعة البشرية والسُّل والملاريا، غير أنّ الطريق للقضاء على هذه الأمراض الفظيعة ما زالت بعيدة. ولهذا فنحن بحاجة إلى صندوق عالمي قوي ومموّل تمويلاً جيداً.
بعد أيام معدودة، سيعقد الصندوق العالمي مؤتمره التالي لتجديد الموارد، بتاريخ 9 و10 أكتوبر (تشرين الأول) في مدينة ليون في فرنسا. وهدفه من هذا المؤتمر أن يجمع مبلغاً من الأموال لا يقلّ عن 14 مليار دولار. كل دولار يُمنَح للصندوق العالمي هو دولار يُمنَح للصحة العالمية.
يظنُّ البعض أن منظمة الصحة العالمية تخوض منافسة مع الصندوق العالمي وغيره من الوكالات المعنية بالصحة، من أجل الاستحواذ على اهتمام الجهات المانحة. إلا أن ذلك هو أبعد ما يكون عن الحقيقة. فمنظمة الصحة العالمية ملتزمة تمام الالتزام بتجديد موارد الصندوق العالمي بنجاح. إنه واجبنا. إنه واجب الجميع. لا يمكننا تحقيق أهداف التنمية المستدامة من دون تجديد موارد الصندوق العالمي. نحن بحاجة إلى مساعدة بعضنا بعضاً من أجل القضاء على أوبئة الإيدز والسُّل والملاريا، بحلول عام 2030. ومع تجديد الموارد بما لا يقل عن 14 مليار دولار، ستنجح شَراكة الصندوق العالمي في إنقاذ حياة 16 مليون إنسان، وتجنب 234 مليون حالة عدوى، والمساعدة في وضع العالم على المسار الصحيح نحو القضاء على هذه الأمراض.
لطالما كان الصندوق العالمي شريكاً أساسياً في تحقيق نجاحاتنا. لكن بات لزاماً علينا إعادة تنشيط جهودنا. فقد بيَّنت التقارير الأخيرة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية عدم تحقيق مزيد من التقدم في وجه الملاريا، أما معدل تراجع عدد حالات الإيدز والسُّل ووفياتها فهو بطيء للغاية.
وخلال السنوات الأخيرة، انتقل التركيز في مجال الصحة العالمية نحو تقوية الأنظمة الصحية والتغطية الصحية الشاملة، وهو أمرٌ صائب. إلا أن هذا لا يعني أن البرامج المعنيَّة بأمراض محددة تقل أهمية عن ذلك؛ بل إنه يعني أن السبيل إلى تعزيز نجاحها يتمثل في تضمينها في أنظمة صحية متينة وقائمة على الرعاية الأولية.
إنني أكنُّ احتراماً عميقاً للصندوق العالمي. وقد رأيتُ بأم عيني أهمية عمل الصندوق عندما كنت وزيراً للصحة في إثيوبيا، ومن ثمَّ رئيساً لمجلس الصندوق العالمي من عام 2009 حتى عام 2011. وبفضل دعم الصندوق العالمي، درَّبت إثيوبيا أكثر من 40 ألف امرأة على العمل كمرشدات صحيات. وقد نجح موظفو الإرشاد الصحي في توسيع الحصول على الخدمات الوقائية والعلاجية المعنية بفيروس نقص المناعة البشرية والسُّل والملاريا، فضلاً عن خدمات صحة الطفل والأم، والكشف الأساسي عن الأمراض غير السارية. وقد اقترن عنصر الرعاية الصحية الأوَّليَّة هذا بنتائج صحية ممتازة في البلاد.
سوف يستثمر الصندوق العالمي بعد تجديد تمويله نحو 4 مليارات دولار من أجل تقوية الأنظمة الصحية في 120 بلداً. والأنظمة الصحية القوية مفيدة في مواجهة طيفٍ كاملٍ من الأمراض والحالات الطبية، كما أنها تساعد البلدان في التعامل مع التهديدات التي تواجه الأمن الصحي العالمي، مثل مشكلة مقاومة الأدوية.
يتعدّى الصندوق العالمي كونه مجرد مصدرٍ للاستثمارات الأجنبية؛ لا بل هو آلية تهدف إلى حشد الموارد من الجهات المانحة والتمويل المحلي. وحسب تقديرات الصندوق العالمي، ستدفع استثماراته خلال الأعوام الثلاثة القادمة نحو بذل نحو 46 مليار دولار من التمويل المحلي، في سبيل محاربة الأمراض وتقوية الأنظمة الصحية. وهذا هو نوع الاستثمارات الكفيل بجعل التنمية مستدامة بالفعل.
الصندوق العالمي ذو مغزى وسيبقى كذلك. ففي إطار خطة العمل العالمية، وهي مبادرة مشتركة بين المنظمات الدولية بتنسيق من منظمة الصحة العالمية، نعمل معاً لدفع العمل الجماعي قُدُماً، وتسريع عجلة التقدم نحو تحقيق الأهداف المعنية بالصحة من ضمن أهداف التنمية المستدامة.
إننا مؤمنون بقدرتنا على القضاء على أوبئة فيروس نقص المناعة البشرية والسُّل والملاريا. ويمكننا تحقيق ذلك. وعندما نتحلَّى بالعزيمة، فسنجد الوسيلة. يمكننا أن نصبح العناكب التي اتَّحدت وشدَّت وثاق الأسد. كل ما ينبغي علينا فعله نحن البلدان والجهات المانحة والشركاء الفنيُّون والمجتمعات المحلية، هو الارتقاء إلى مستوى المعركة ودعم التجديد القوي للموارد.
وبالنظر إلى المخاطر المحيطة بنا، لم تعد المسألة متعلقة بمدى قدرة العالم على تحمل كلفة الاستثمار في الصندوق العالمي؛ بل بمدى قدرته على تحمل عواقب عدم القيام بذلك.
- المدير العام لمنظمة الصحة العالمية