تيدروس أدهانوم غيبرييسوس
- المدير العام لمنظمة الصحة العالمية

لنسخّر العلم والحلول والتضامن من أجل مستقبل صحتنا

اجتمعت بلدان العالم في عام 1948 إيذاناً بطي صفحة أعنف حرب خاضتها ومداواة جراحها. فبعد سنوات من الحرب وانعدام الثقة والألم، قررت الدول أن ترتقي بالرفاه البدني والنفسي للأفراد إلى مستوى جديد، ووضعت ميثاقاً عالمياً وهدفاً لحماية الصحة للجميع والنهوض بها. وتحوّل هذا الشعور النبيل إلى حقيقة ماثلة قبل 75 عاماً، لدى تأسيس منظمة الصحة العالمية لتكون وكالة الأمم المتحدة المتخصصة المكرسة لتعزيز صحة الإنسان.

ينبغي أن يكون الغذاء مصدراً للصحة وليس سبباً للمرض

الدهون المتحولة قاتلة، فنحو 500 ألف شخص في العالم يموتون بسببها سنوياً. وتزيد الدهون المتحولة من كولسترول الليبوبروتين المنخفض الكثافة (أو الكولسترول الضار)، وهو المركب الذي يسد الشرايين ويسبب نوبات قلبية، ووفيات ناجمة عن الأمراض القلبية. وتُستمد معظم الدهون المتحولة من الزيوت النباتية المهدرجة جزئياً والمنتجة صناعياً، وتستخدم في عديد من الأغذية المخبوزة وزيوت القلي والأغذية المقلية والدهون الصلبة، مثل السمن والسمن النباتي. وهي رخيصة الثمن وتزيد من مدة صلاحية الأغذية المجهزة؛ غير أنها ليس لها أي فائدة صحية معروفة، ويمكن الاستعاضة عنها بسهولة بمكونات أخرى للحفاظ على المذاق والاتساق.

«السلام من أجل الصحة والصحة من أجل السلام»

لمنع تحوّل الأزمات الراهنة إلى دوامة موت للبشرية من الضروري بذل جهود متضافرة لتغيير مسار التاريخ نحو عالم موجه إلى الحلول وأكثر صحة واستدامة في الأسبوع الماضي، تواصلتُ مع يارنو هابيتش، ممثل المنظمة في أوكرانيا الذي كان يتلقى إمدادات صحية جديدة لإيصالها إلى مستودع في مدينة لفيف. وقد تحدث عن التكاليف الباهظة التي يسببها الاجتياح الروسي للشعب الأوكراني، والأضرار التي لحقت بالمستشفيات، والأثر النفسي والبدني الذي تحدثه الحرب على العاملين الصحيين والسكان المدنيين. لكن المأساة تكمن في أن أوكرانيا ليست حالة الطوارئ الوحيدة التي يواجهها العالم حالياً.

لنواجه الوباء معاً بـ«عدالة التلقيح»

وصلت خلال هذا الأسبوع لقاحات مصنعة في الهند في إطار برنامج «كوفاكس» لإتاحة لقاحات «كوفيد - 19» على الصعيد العالمي إلى عدة بلدان شملت غانا وساحل العاج وكولومبيا. وكانت تلك اللحظة بلا أي شك لحظة اغتباط بمشاطرة معجزة العلوم عكسها بالمقابل شعور بالخجل من عدم حصول عدة بلدان شديدة التضرر من الجائحة على أي لقاحات حتى الآن. وطورت لقاحات مأمونة وناجعة واعتمدت بسرعة قياسية ما أمدنا بوسيلة جديدة حاسمة، إضافة إلى تدابير الصحة العامة التقليدية لحماية الناس من الفيروس. ويتعين علينا الآن أن نضمن إتاحة هذه اللقاحات للجميع في كل مكان.

الفرصة متاحة أمام العالم لدحر الوباء

قبل عام، وتحديداً في 30 يناير (كانون الثاني)، أعلنت «منظمة الصحة العالمية» عن تفشي فيروس «كورونا المستجد»، بصفته طارئاً صحياً يثير قلقاً دولياً، وهو أعلى مستوى من الإنذار بموجب القانون الدولي. يومها، لم يكن عدد الحالات المؤكدة تجاوز 98 حالة، ولم يُبلغ عن أي وفيات خارج الصين. وطالما حثت «منظمة الصحة» جميع البلدان على استغلال تلك «الفرصة السانحة» لمنع انتشار الفيروس الجديد على نطاق واسع.

لم يفت الأوان بعدُ لقهر هذه الجائحة

مليون شخص، خسروا حياتهم بسبب «كوفيد - 19»، ولا يزال كثيرون يرزحون تحت وطأة هذه الجائحة. وتشكل هذه العتبة القياسية منعطفاً قاسيا للعالم، لكن ثمة بصيص أمل يدفعنا اليوم وفي المستقبل المنظور. للمرة الأولى، بعد تسعة أشهر فقط من تحديد ماهية هذا الفيروس، تمكنت نخبة من أبرز العلماء في العالم بشكل جماعي من تطوير الاختبارات اللازمة لتشخيص الحالات، وتحديد علاجات مثل «كورتيكوستيرويدات» للحد من الوفيات في الحالات الحادة، وإنتاج لقاحات مرشحة، هي الآن في المرحلة الثالثة النهائية من التجارب.

صندوق عالمي من أجل تقوية الأنظمة الصحية

«عندما تتَّحد العناكب، بوسعها شدّ وثاق أسد»، كما يقول المَثَل في إثيوبيا. أمام العالم فرصة ثمينة للتعاضد وإثبات مدى القوة التي تنطوي عليها الشراكة. لقد حققنا خلال القرن الحالي تقدماً مذهلاً في معركتنا ضد أمراض فيروس نقص المناعة البشرية والسُّل والملاريا، غير أنّ الطريق للقضاء على هذه الأمراض الفظيعة ما زالت بعيدة. ولهذا فنحن بحاجة إلى صندوق عالمي قوي ومموّل تمويلاً جيداً. بعد أيام معدودة، سيعقد الصندوق العالمي مؤتمره التالي لتجديد الموارد، بتاريخ 9 و10 أكتوبر (تشرين الأول) في مدينة ليون في فرنسا. وهدفه من هذا المؤتمر أن يجمع مبلغاً من الأموال لا يقلّ عن 14 مليار دولار.