في حين تبدأ أميركا حملتها لتدمير «داعش»، يمكن العثور على آراء كثيرة تدعو إلى التعاون مع إيران. ومن بين هذه الأصوات، لم يكن هناك أحد سوى وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي أصر على أن استبعاد إيران من مؤتمر باريس «لا يعني أننا نعارض فكرة التواصل لمعرفة ما إذا كانوا سينضمون معنا تحت أي ظرف من الظروف أو ما إذا كانت هناك إمكانية لإجراء تغيير» ظاهريا قد يبدو هذا الأمر مجديا، لأن كلا من واشنطن وطهران لديهما مصلحة في دحر هذه الجماعة. ولكن سيكون من الحكمة أن نأخذ حقيقتين بعين الاعتبار: الأولى، شرط كيري حول إمكانية التغيير، والثانية، تكمن في القاعدة البديهية الأساسية لسياسات الشرق الأوسط، وهي أن عدو عدوي ليس بالضرورة أن يكون صديقي.
لا يجب السماح للتقلبات التي تشهدها الحرب على الإرهاب أن تخفي حقيقة أن النظام الإيراني الثيوقراطي ومحاولته تغيير النظام الإقليمي لا يزال يشكل تحديا طويل الأمد، وأكثر أهمية بالنسبة لأميركا في منطقة الشرق الأوسط.
إيران ليست دولة قومية عادية تسعى إلى تحقيق مصالحها المشروعة، ولكنها تعد كيانا آيديولوجيا غارقا في المؤامرات المصطنعة. ومن بين الأفكار المتكررة في خطابات المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أن أميركا تعد قوة مضمحلة سريعا ما تتآكل موارد قوتها. واليوم ترى إيران أن الاضطرابات التي تشهدها المنطقة تعد فرصة فريدة لبسط نفوذها وتقويض أميركا ونظام تحالفاتها.
وفي أفغانستان، عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، نشأ اعتقاد خاطئ بأن أميركا كانت بحاجة إلى مساعدة إيران لإصلاح مهمتها التي مزقتها الحرب، ومنذ ذلك الحين انتقلت هذه الفكرة المشوهة من أزمة إلى أخرى. المساعدة التكتيكية التي قدمتها إيران في أفغانستان عام 2001 كان الدافع وراءها غالبا هو خوف إيران من أن تكون الهدف التالي للانتقام الأميركي. وبمجرد أن تحررت من هذه الفكرة الخاطئة، شرعت إيران في تمزيق القوات الأميركية في كل من العراق وأفغانستان من خلال توفير الذخائر والملاذ للميليشيات المختلفة. وفي غضون ذلك، سعت طهران بشكل مطرد إلى محاولة تدمير حلفاء أميركا في منطقة الخليج العربي وتقويض أمن إسرائيل.
وفي الوقت الراهن، تعد مصالح إيران في جبهتي القتال الرئيستين بمنطقة الشرق الأوسط (سوريا والعراق) معادية للمصالح الأميركية. وبات من الواضح الخطر الذي تشكله إيران في سوريا من خلال توفير المال والسلاح والمستشارين، والأهم من ذلك القوات الهجومية التابعة لـ«حزب الله» من أجل دعم نظام بشار الأسد. وفي غضون ذلك، تتعارض مصالح الولايات المتحدة بشدة مع التعاون مع إيران ضد «داعش» في سوريا خشية من خسارة الدعم السني الذي يعد ضروريا من أجل القضاء على هذا التنظيم. يمكننا من خلال تبني موقف صارم في سوريا ضد كل من الأسد و«داعش»، أن نبعث بإشارة قوية إلى قادة إيران مفادها أن ثمن المشكلات التي يثيرونها سيكون باهظا.
وفي العقد الماضي، وعلى مدى إدارتين أميركيتين، لعبت أميركا دورا فعالا لإقصاء إيران عن عملائها الأوروبيين وحتى الآسيويين، ولكن لم تؤثر واشنطن على الوضع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط بنفس الدرجة. وباستثناء مبيعات الأسلحة إلى الدول العربية ومحاولات تهدئة المخاوف الإسرائيلية، لم تبذل أميركا جهودا منظمة لعزل إيران في منطقة دول الجوار القريبة منها. وبدلا من مواصلة الوهم بشأن تعاون أميركا مع أمثال الخميني، يجب على واشنطن التصدي لكل أصول إيران الإقليمية بدءا من عشوائيات بغداد إلى ساحات القتال في سوريا، ويجب مواجهة إيران بواقع جديد قاس، بينما تبحث عن شركاء.
تقف أميركا وإيران على طرفي النقيض في أطياف الساحة السياسية في الشرق الأوسط. كما أن الدوافع الآيديولوجية والانتهازية المطلقة لإيران تجعل منها حليفا غير مرجح بالنسبة للغرب. وتصادف وجود معارضة متبادلة لجماعة إرهابية سنية متطرفة يجب ألا يحجب عنا التهديد الدائم الذي يشكله نظام الملالي.
* خدمة «واشنطن بوست»