كعميل لمصرف الهواتف الذكية الألماني «إن 26» لم أتفاجأ حين قرأت صباح يوم الخميس الماضي أن قيمته قد بلغت 3.5 مليار دولار رغم عدم تحقيقه لأرباح بعد. مع ذلك هناك مخاطرة كامنة في نموذج العمل الخاص به، وهو أمر من الصعب فصله عما يجذب إليه عملاء مثلي. ليس لـ«إن 26»، الذي يتخذ من برلين مقراً له، وجود مادي، لكنه يتمتع بمميزات مهمة تمنحه الأفضلية على أكثر المصارف التقليدية. لا يتم فرض رسوم على بطاقات الدائن في أكثر عمليات ماكينة الصرّاف الآلي، وكذلك يمكن للمرء تغيير حدود السحب والإنفاق فوراً من خلال تطبيق على الهاتف الذكي، أو وقف استخدام البطاقة على الإنترنت أو منع غريب من استخدامها، ثم إعادة تشغيلها مرة أخرى. كذلك يمكن استخدام تطبيق «إن 26» في التعاملات المالية الخاصة بالمنزل، وتصنيف النفقات في شكل فئات. لا عجب إذن أن يجذب المصرف 3.5 مليون عميل، و470 مليون دولار على هيئة تمويل للمشروعات من أمثال رائد الأعمال بيتر تيل وشركات عملاقة في هونغ كونغ مثل «كا شينغ».
مع ذلك لم أصبح عميلاً لـ«إن 26» فحسب لأنه أتاح لي إدارة حسابي بسهولة باستخدام هاتفي، بل لأني روسي أقيم في برلين، وقد تتسم معاملات المصارف الألمانية مع الأجانب، والكثير من العملاء الجدد الآخرين، بالبطء، حيث يطلبون أوراقاً لا لزوم لها، وأخبرني أحد المصارف أن أعود بعد أسبوعين إذا أردت فتح حساب. على العكس من ذلك رحب «إن 26» بي، وهو يتحقق من هوية العملاء الجدد في ألمانيا من خلال الأحاديث المصورة. ويعد ذلك أسهل بالنسبة للعميل وللمصرفي على حد سواء من الإجراءات التقليدية الخاصة بالتعرف على العملاء، فهي طريقة سريعة وملائمة وزهيدة. هكذا تمكن مصرف «إن 26»، الذي تأسس عام 2013 كسطح تفاعلي على الهواتف المحمولة، وحصل على تصريح بالعمل كمصرف عام 2016، من التوسع والازدهار سريعاً.
بطبيعة الحال تكمن المشكلة الرئيسية في عدم التقاء المصرفيين العاملين به بالعملاء الجدد وهو ما يوفر بيئة خصبة لإنشاء حسابات مصرفية مرتبطة بهويات مسروقة أو زائفة. وتعد تلك الحسابات مهمة ومفيدة لمن ينشئ متاجر زائفة على الإنترنت، وللذين يبيعون سلعاً غير قانونية. ليس من الصعب العثور على حساب من هذا النوع معروض للبيع على الإنترنت مقابل مبلغ يتراوح بين 500 و1200 يورو، أو ما يعادل 560 إلى 1350 دولاراً أميركياً. أحياناً تكون الهويات المستخدمة في إنشاء تلك الحسابات في ألمانيا مسروقة من خلال مواقع إلكترونية تمنح قروضاً ذات فوائد منخفضة، أو تعرض سلعاً تتطلب تعريف الهوية.
كثيراً ما يأتي ذكر «إن 26» عند حديث الشرطة الألمانية عن هذا النوع من عمليات الاحتيال. وقد أوقفت بعض المصارف التقليدية في شبكة «فولكس بنك» خلال شهر يونيو (حزيران) مؤقتاً التحويل إلى حسابات مرتبطة بعدد من مصارف الهواتف الذكية من بينها «إن 26» ومنافسيه «فيدور»، و«ريفولوت»، و«بانك»، و«سولاريس بنك» بسبب شكاوى من عمليات احتيال. وفي مايو (أيار) أخبرت «بافين»، وهي الهيئة الرقابية المالية الألمانية، «إن 26» بأن عليه تحسين مستوى الاهتمام بعملائه، والحرص على مصلحتهم، وإعادة تحديد هوية عدد من العملاء الحاليين.
على الجانب الآخر، أكد المصرف أن الإجراءات الخاصة بتعريف الهوية، والتحقق منها سليمة وأنهم لا يقومون بأي ممارسات تنمّ عن استهتار بمصلحة العملاء. في الحقيقة لا تقل عملية التحقق من الهوية باستخدام المقاطع المصورة جودة ودقة عن التحقق بشكل شخصي من الهوية. وعادة ما تقوم بتلك العملية شركات متخصصة تعلم جيداً الخدع التي يقوم بها المتمرسون في عمليات الاحتيال، فعلى سبيل المثال هم يطلبون من العميل ثني رخصة القيادة لمعرفة ما إذا كانت مصنوعة من البلاستيك حقاً أم لا، وربما يطلبون منه رؤيتها من زاوية محددة للتأكد من وجود العلامة المائية. ربما يكون هؤلاء الخبراء، الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في المقارنة بين صورة في وثيقة ما وصورة ملتقطة ذاتياً، أفضل في التحقق من الهويات من المصرفيين الذين يحدقون في صور هوية تحمل تاريخاً.
مع ذلك مع تحسن تقنيات التحقق الرقمي، تتطور تقنيات التحايل على تلك العملية أيضاً. إلى جانب ذلك، كثيراً ما يكون رجال الشرطة والمنظمون أشخاصاً متحفظين يثقون في الطرق التقليدية أكثر مما يثقون في التكنولوجيا الحديثة. إذا استخدمنا الحدس سنرى أنه من المنطقي أن يوفر لقاء شخص ما معلومات عنه مقارنة بأي شكل آخر من أشكال التفاعل الرقمي عن بعد. ويؤدي ذلك إلى خطر كامن بالنسبة إلى جهات الإقراض الجديدة مثل «إن 26». ماذا لو منع المنظمون، الذين يشعرون بالقلق من ازدهار سوق الحسابات المزيفة، طريقة التحقق من الهوية عن بعد؟ وقد دفعت تلك المخاوف بالفعل عدداً من الدول إلى التخلي عن عملية فرز الأصوات الانتخابية باستخدام الماكينات والعودة إلى طرق الفرز اليدوية.
يستعين مصرف «إن 26» بشركة تدعى «سيفنيد» للقيام بعملية التحقق من هوية العملاء. وقد كانت تلك الشركة تعمل حتى وقت قريب بتصريح صادر في المملكة المتحدة خاص بخدمات التسوق عبر الإنترنت. نظراً لأن المملكة المتحدة لا تزال عضواً في الاتحاد الأوروبي، على السلطات الألمانية قبول طريقتها في التحقق من العملاء. وكانت شركة «سيفنيد» قد حصلت على تصريح من ألمانيا في بداية العام الحالي تحسباً لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، لكن ربما يتسبب تصرف مفاجئ من جانب المنظمين في دفع «إن 26» ومنافسيه نحو البحث عن حل جديد.
إن مصارف مثل «إن 26» هي المستقبل، فهي ليست مثقلة بإرث هائل من العمليات، وتستخدم أحدث الطرق التكنولوجية، ومفعمة بالحماس، وتدرّ أرباحاً أكبر من المصارف التقليدية. مع ذلك تعتمد نماذج العمل، التي تتبناها تلك المصارف، على افتراض عدم توجه المنظمين نحو حظر بعض الطرق المبتكرة التي تستخدمها. وهناك طريقة للتخلص من ذلك النوع من المخاطر المتعلقة بالتحقق من الهوية عن بعد. ينبغي إدراج متطلبات الهوية ضمن المعايير التقليدية الخاصة بغسل الأموال. بعد ذلك سوف تدرك المصارف المبتكرة بشكل أفضل الحد الأقصى للتكاليف التي تحتاجها لتكون ملتزمة، وسوف تتمكن المصارف التقليدية من خفض تكاليفها دون خوف من مخالفة المعايير. مع ذلك في النهاية تقع مهمة إصدار هويات رقمية موثوق بها يمكن استخدامها في تلقي الخدمات، مثلما هو الحال في إستونيا، ضمن نطاق مسؤوليات الحكومات لا المؤسسات الخاصة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:2 دقيقه
TT
الخدمات المصرفية واستخدام الهواتف الذكية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة