مأمون فندي
أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجتاون سابقاً، ويعمل الآن مديراً لمعهد لندن للدراسات الاستراتيجية. كتب في صحف عديدة منها «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«فاينانشال تايمز» و«الغاردين» وبشكل منتظم في «كريستيان ساينس مونوتور»، و«الشرق الاوسط». له كتب عديدة بالإنجليزية والعربية آخرها كتاب «العمران والسياسية: نظرية في تفسير التخلف 2022».
TT

قانون نهاية صلاحية الكاريزما

عندما كتب الأستاذ ماكس فيبر عن الكاريزما قسمها لأنواع، والكاريزما هي نوع من الشرعية في المجتمعات التقليدية ولكنها لا تدوم طويلاً، وعندما نتحدث عن الكاريزما في عالمنا العربي فنعني بها الأشخاص فقط، مع أن معنى الكاريزما أوسع وأشمل، ومع ذلك فالكاريزما هي هبة من الله لبعض القادة تجعلهم محبوبين لدى جمهورهم من المحكومين، وخير أمثلة لها في العصر الحديث شخصية الرئيس الأميركي جون كنيدي والمصري جمال عبد الناصر ونيلسون مانديلا والملك فيصل والشيخ زايد، والكاريزما ليست في كمال الشخصية، بل هي أحياناً كاريزما النقصان البسيط الذي يجعل المحكوم متعاطفاً مع القائد، ووضع ماكس فيبر شخصية سيدنا موسى عليه السلام رمزاً لهذا النوع، إذ كان لسانه به عطب، «هارون أخي أفصح مني لساناً»، هكذا وصف سيدنا موسى نفسه. ولكن ورغم هذه المقدمة فأنا لا أتحدث هنا عن الكاريزما الشخصية فقط كأساس للشرعية في دول العالم الثالث، بل أتحدث عن اللحظات الكاريزمية التي منحت بعض القادة الشرعية مثل ثورة تحرير الجزائر، أو ثورة يوليو 1952 في مصر، تلك لحظات كاريزمية لا تمنح شرعية لقائد واحد، بل للعديد من القادة كأحمد بن بيلا وبومدين وبوضايف وبوتفليقة في الجزائر، وعبد الناصر والسادات في مصر، ولكن شرعية هذه الكاريزما لها صلاحية إن لم تتغير الوجوه.
تجاربنا في العالم الثالث والتي نلحظها بوضوح بعد الربيع العربي تقول إن ثلاثين عاماً أو أكثر قليلاً هو العمر الافتراضي للكاريزما إذا لم تتغير الوجوه، ثلاثون عاماً هي المدة التي يمكن أن تعيشها شرعية الأنظمة المغلقة سواء أكانت شرعية تاريخية مثل جبهة تحرير الجزائر وقادتها التاريخيين، أو انقلاباً عسكرياً بدعم شعبي كما حدث في السودان إثر تولي الرئيس عمر البشير الحكم، أو مدة حكم حسني مبارك في مصر، أو علي عبد الله صالح في اليمن أو أسرة الأسد في سوريا (الأب والابن معاً) أو معمر القذافي في ليبيا أو زين العابدين بن علي في تونس، كل فترات حكمهم تتراوح ما بين ثلاثين أو أكثر قليلاً، وتلك هي فترة انتهاء صلاحية كاريزما الأشخاص أو المؤسسات في الأنظمة المغلقة. هذه ملحوظة قد ترقى لأن تكون قانوناً في السياسة الخاصة بالأنظمة المغلقة في العالم الثالث.
إذا كانت مقولتي هذه صحيحة وإذا كانت قد تصبح قانوناً يوماً ما بعد مزيد من التجارب والملاحظة، وأن الحال كما كشفت تونس ومصر واليمن وسوريا، ففي ذلك دروس مهمة لكل من السودان والجزائر، الدولتين اللتين تعانيان من اضطراب وقلاقل هذه الأيام.
الرئيس الجزائري الآن يرشح نفسه لعهدة خامسة وبهذا يكون بوتفليقة حكم ويحكم الجزائر لأطول فترة منذ التحرير من الاستعمار الفرنسي، يحكم أطول مدة وهو بعيد جداً عن اللحظة التاريخية الكاريزمية للجزائر، وهي لحظة التحرير، حيث كان قبله بن بيلا، وبومدين وبن جديد وبوضياف ثم علي كافي فالأمين زروال ثم بوتفليقة والذي استمر حكمه عشرين عاماً حتى الآن، وهي أطول مدة لرئيس جزائري. قد يصر الحزب الحاكم في الجزائر على الولاية الخامسة، ولكن كاريزما التحرير لا تحتمل تلك المدة ولا بد للنظام أن يتصدع، ولذا من العقل والحكمة أن يجدد الجزائريون الوجوه حتى لا يجدون أنفسهم أمام صورة قريبة مما حدث في مصر وتونس واليمن عام 2011.
هذا الدرس لا ينطبق على الجزائر وحدها، بل أيضاً ينطبق على حالة الرئيس السوداني عمر البشير، الذي بلغت مدة حكمه قرابة الثلاثين عاماً، وهي مدة انتهاء صلاحية الكاريزما.
قد تحاول الأنظمة المغلقة ترقيع النظام ومحاولة دعم بنيانه ومع ذلك أقول إن شرعية كاريزما اللحظة التاريخية لا تستطيع المقاومة تحت وطأة الزمن وأقدام الزاحفين في الشوارع سواء في الجزائر أو في الخرطوم، لذا ومن باب النصيحة يجب ألا نعاند مع قانون انتهاء صلاحية الكاريزما في منطقتنا، ويجب أن نحافظ على الدول والمجتمعات أفضل من الإصرار على الحفاظ على أمجاد الأشخاص. للكاريزما فترة صلاحية، وظني أنها قاربت على الانتهاء في السودان والجزائر.